الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ازدواجية  «التنكيت» و«التبكيت»

ازدواجية «التنكيت» و«التبكيت»

يصف المؤرخ القديم المصريين بأنهم شعب يعشق الترهات.. لاذع العبارة.. لكن روحه مرحة وأعظم ما بقى إلى اليوم من آثار المصريين القدماء المعابد والقبور والأهرامات مما يدل على أن الأحزان كانت عميقة فى نفوسهم إلى حد بعيد.. لكن الغريب أنهم احتفظوا بروح النكتة والسخرية والمرح.



أرى أنه ليس هناك تفسير لهذا التناقض المتصل باجتماع الفرح العميق والحزن الذى يضيق بمآسيها سوى أن غريزة البقاء الإنسانية تدفعنا – لا شعورياً– إلى الاستعلاء على الموت ومحاولة الاستغناء الجميل.. وأيضاً الإيمان بأن الفترة الزمنية التى يعيشها الإنسان على الأرض ما بين الحياة والموت أجدى له أن يستغلها فى تحقيق آمال عريضة وطموحات عظيمة تجعل لهذه الحياة معنى وقيمة.. ولن يستطيع الإنسان إنجاز الأهداف الكبيرة بوجه عابس أو نفس حزينة.. ولعل الفيلسوف «ألبير كامى» عبر عن ذلك فى نهاية كتابه المتمرد أن هذه هى الأرض السعيدة التى سنعيش ونموت عليها ينبغى أن نحيا عليها فى رحلة بحث عن السعادة.. كما أن الفنان التشكيلى الكبير «جورج البهجورى» عبر فى جملة بليغة عن خلاصة تصوره مؤكداً: «أنا أرسم لكى أقاوم الموت».. أما توفيق الحكيم فهو يرى أن الحياة تصنع المأساة.. ولكن الفرح والابتسام هما اللذان نحققهما نحن.. لنرش الماء على النار ونبنى أسواراً حول العاصفة التى فى داخلنا حتى نقضى عليها بدلاً من أن تدمرنا.. كما أننا يجب أن نناقش الأمر من زاوية أخرى.. وهى أن عنصر التناقض هو أحد العناصر المهمة فى تفجير الضحك فى أشكال الفنون المختلفة.. ومن ثم تأثيرها على المتلقى فى إشاعة جو من الفرح والبهجة يعدل من أحواله المزاجية.. ولعل عبارة «عبدالله النديم» «التنكيت والتبكيت» أى التهكم والسخرية واللوم تعبر عن أن تلك الازدواجية أو هذا التناقض الذى يسعى إلى التعبير هو بالقطع الهدف الأساسى والأسمى للدراما الكوميدية مثلاً.. فالأفلام والمسرحيات الكوميدية العظيمة هى التى تسعى من خلال وسائلها المختلفة إلى إحداث تغيير فى وعى المتلقى وتفكيره وتؤثر على عقله ووجدانه، بل ربما فى مصيره كله.. والأمثلة على ذلك كثيرة فى المسرح من أول «موليير» حتى مسرح العبث.. وفى السينما من «شابلن» بل من الفيلم القصير «رش الجناينى» وهو أول فيلم سينمائى بدأت به السينما صناعتها فى العالم على يد الإخوة «لوميير» وحتى السينما العالمية المعاصرة.