الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 حوار «الحكيم»   مع عصاته

حوار «الحكيم» مع عصاته

هل وظيفة الفن أن يبدع الفنان من خياله عالمًا خاصًا يعكس من خلاله رؤيته وأفكاره وآراءه وتفسيراته وأحلامه فى عالم مختلف يحلم به ويدعو المتلقى إلى مشاركته فيه أم أن وظيفة الفن هى مجرد محاكاة الواقع محاكاة فوتوغرافية ونقلها إلى المشاهد كما هى بكل تفاصيلها وشخصياتها وأحداثها؟.. هذا السؤال وجهه توفيق الحكيم إلى عصاه فقد كان مفتونا بإجراء الحوارات بينه وبين عصاته الشهيرة فى مقالات بديعة تحمل الكثير من الحكمة والطرافة والعمق.



قالت العصا لا بد أن نتأمل أمزجة الناس فإن فيها العجب.. ويدلك على ذلك أن فرقة الشيخ «سلامة حجازى» كانت تجوب الحضر والريف بروايات «همليت» و«روميو وجولييت» فتلقى النجاح الساحق.. فذهب يوما إلى الريف برواية حققت نجاحا عند أهل الريف.. فقد سمعوا لغتهم.. ورأوا صورهم على المسرح وخرجوا يهتفون فى سخط: أهذه فرجة؟ على المسرح.. هذا شىء نسمعه ونراه فى كل يوم.. قال الحكيم لعصاه مستنتجًا.. هذا معناه أن النظارة لا يريدون أو يروا واقعهم كما يعيشونه ولكنهم يريدون أن يشاهدوا آخر لم يألفوه ولم يعرفوه.. ومن هنا فإن هذه الرواية يمكن أن تلقى النجاح الباهر فى العواصم عند المتحضرين.. لأن من أهل المدن من يحب أن يرى صورة أهل الريف.. كما أن العكس صحيح.. وبناء على ذلك فإن المشكلة تكمن فى اختلاف أمزجة الناس.. أن الخطأ الحقيقى هو مطالبة الفنان بمراعاة مزاج واحد من بين هذه الأمزجة فى حين أن الفن يجب أن يتسع نطاقه ليشمل كل هذه النزعات فى الإنسان فلا بد أن يكون هناك الفنان الذى يصور دنيا الناس للناس ليروا أنفسهم فى عمله فيزدادوا معرفة بحقيقتهم كما أنه لا بد أن يكون هناك الفنان الذى ينقل الناس إلى دنيا أخرى من صنع خياله ليضيفوا إلى حياتهم المألوفة حياة جديدة مثمرة وخلاقة.

ومن هنا فإن رسالة الأديب أو الفنان ليست هى توجيه الرأى العام.. بل إن رسالته الحقة هى خلق «الرأى العام» وتنميته وتدعيمه بكل الأدوات الإبداعية.. ذلك لأن التوجيه معناه الدفع والفرض والسيطرة وفرض الوصاية.. ودفع الناس فى اتجاه معين بالذات على عقولهم.. والسيطرة بفكرة أو معنى على نفوسهم.. وفى هذا انتصار بلا شك لفكرة المفكر أو لرأى الأديب.. أو تصور الفنان.. ولكن هذا الانتصار الشخصى هو فى ذات الوقت خذلان لآراء الناس وفناء لشخصية طوائف عديدة من البشر.. مثل هذا الانتصار على آراء الناس وقلوبهم مفهوم من رجل السياسة.. لكن الأديب أو الفنان رجل تكوين وخلق خيال.. لا رجل سيطرة وانتصار فهو يجب إلا يلبسك رأيه.. بل يجب أن يخلق فيك رأيك.