الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
وسائل التواصل الاجتماعى  والتلاعب بالعقول

وسائل التواصل الاجتماعى والتلاعب بالعقول

«ترى الزوجة ضوء مصباح يتحرك فى الشقة المقابلة التى تسكنها جارة وحيدة، وشاهدت زوجها وهو يقتلها لسرقة مصاغها، وعندما واجهته أنكر وأصر على أن ما رأته وهم وخيال، واتبع معها أسلوبا يشككها فى كل شىء وأقنعها أنها غير قادرة على مشاهدة الوقائع على نحو حقيقى ولا تستطيع تذكر ما يحدث معها بشكل صحيح، ومن أجل إخفاء جريمته تلاعب بعقل زوجته وتسبب لها فى فقدان الأمل وثقتها بنفسها ووضعها على حافة الجنون»، هذا هو ملخص مسرحية « ضوء المصباح»، التى نشرها الكاتب الإنجليزى باتريك هاملتون عام 1938، ومن وقتها أصبح اسم المسرحية مرتبطا بالتلاعب بالعقول، واختاره علماء النفس مصطلحا ومعبرا عن هذا النوع من القهر والسيطرة غير المباشرة، نفس أسلوب الزوج نعانى منه حاليا فهناك من يحاول التلاعب بعقولنا، وجهات تريد السيطرة علينا وتوجيهنا نحو أفكار بعينها، ويتجلى ذلك فيما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعى من خلال بث الشائعات والأخبار الكاذبة وتشويه الحقائق ما يجعل المواطن مشوشا تجاهها ثم يصدق الأكاذيب ويروج لها، وتستخدم فى ذلك التكنولوجيا الحديثة والتى أصبح التعامل معها سهلا وميسورا، ويظهر ذلك فى الأخبار المفبركة والفيديوهات المزيفة والتى يتم التلاعب فيها من خلال القص واللزق والتحريف بقصد تشويه شخص أو مجموعة أو إثارة البلبة ثم نشرها بكثافة حتى يصبح المواطن البسيط مقتنعا بصدقها.



التلاعب بالعقول معروف فى علم السياسة والاقتصاد وتم استخدامه كثيرا منذ سنوات بعيدة حتى قبل ظهور المسرحية، حيث يكون الهدف هو السيطرة من خلال زرع بذور الشك فى العقول والتشكيك فى الذاكرة، كما يتضمن أيضا محاولة زعزعة استقرار يقين الضحية وتشكيكها فى إيمانها، ومن ثم يسهل التحكم والتأثير فى طريقة التفكير خاصة بين البسطاء، وبالطبع هناك مؤسسات ودول ومنظمات وجماعات غير شرعية تمارس هذه الأساليب على شعوبها ومواطنيها وضد الشعوب الأخرى، كما أن الشركات العالمية وشركات الدعاية والإعلان تستخدمها فى الترويج للسلع المختلفة، ويتم ذلك غالبا من خلال وسائل الإعلام باعتبارها أبرز أدوات السيطرة على العقول والتلاعب بها خاصة مع تطورها وانتشارها، ولكن الأمر أصبح أكثر خطورة مع وسائل التواصل الاجتماعى التى سهلت الوصول للمواطنين فى أى مكان يتواجدون فيه، فى بيوتهم وغرف نومهم وعملهم وحيث يقضون إجازاتهم، ومع تطور التكنولوجيا أصبح التضليل الإعلامى من أجل خدمة هدف معين أسهل وإيصاله للمتلقى أيسر، ومع تكرار البث والإلحاح تصبح السيطرة أسرع وأقوى، والضحية هنا هو المواطن البسيط الذى لا يستطيع التمييز بين الغث والسمين والفرز بين الخبر الصحيح والشائعة والدعاية خصوصا وسط الكم الكبير من الإخبار والحكايات والوقائع التى تحاصره بها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، وشيئا فشيئا تتم الهيمنة على عقل هذا المواطن وتحويله إلى ناقل للشائعات والأكاذيب بعد إقناعه بأنها الحقيقة، ومن المعروف أن أفضل وسيلة للسيطرة على العقول هى التحكّم بالمعلومات، فإذا كان الهدف الحدّ من مستوى التفكير وإبعاد المواطن عن معرفة القضايا الكبرى، فيتم العمل على أن تكون المعلومات التى تصل إليه قليلة أو مشوهة، مع إشغاله بتوافه الأمور والقضايا الثانوية غير المهمة، ما يمنعه من التفكير فى الأحداث الأهم، وبالتالى يصبح من السهل  الإيحاء للمواطنين أن يفعلوا بإرادتهم ما يريده أصحاب النفوذ والراغبون فى السيطرة على العقول، ما يحدث فى وسائل التواصل الاجتماعى لدينا خطر ولو تتبعنا كم الأكاذيب والمعلومات الزائفة والفيديوهات المزورة التى يتم الترويج لها من مجموعات داخل وخارج بلدنا لعرفنا الخطر الذى نتعرض له كل يوم.