الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جلسات النصح والإرشاد لماذا لا تعود؟

جلسات النصح والإرشاد لماذا لا تعود؟

مع كل واقعة تختفى فيها فتاة مسيحية أو تترك بيتها بغتة يظهر على مواقع التواصل الاجتماعى فريقان، الأول مسيحى ويقول إن الفتاة مخطوفة ويقود حملة تحت عنوان يجب أن تعود إلى أسرتها، والفريق الثانى مسلم ويقول الفتاة أسلمت وينشر صورة لها وهى ترتدى الحجاب وصورة لوثيقة إشهار الإسلام أو بطاقة شخصية باسم جديد، وعادة يرد الفريق الأول أن الشهادة مزورة والصورة فوتوشوب، ويستمر الجدال لفترة ثم يخفت ليعود مع واقعة جديدة، وأحيانا تظهر الفتاة وترجع لأسرتها دون أن يذكر أحد سبب غيابها وفى حالات أخرى لا تظهر ولا تعود، آخر هذه الوقائع والتى اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعى منذ أيام سالى نسيم وهى معيدة بكلية طب أسوان عمرها 31 سنة ومن عائلة معروفة بكوم أمبو ولها نشاط خدمى بالكنيسة وزوج أختها رجل دين وأيضا خالها وهو ما جعل هروبها من بيت أسرتها واختفاءها يثير ضجة كبيرة، وكالعادة ظهر من يقول إنها مخطوفة وبعضهم يقول إنها مسلوبة العقل ويطالبون بعودتها، وذهب آخرون إلى أنها هربت احتجاجا على معاملتها بطريقة غير لائقة من أقربائها وأن ما فعلته انتقاما من أسرتها ولكنها مازالت مسيحية، الفريق الآخر من الإسلاميين قالوا إنها أسلمت ونشروا بطاقة لها وفى خانة الديانة مسلمة ولكنها لم تغير اسمها، ومازالت الحرب مشتعلة بين الطرفين، لا نريد لمثل هذه الوقائع أن تستمر دون حل حتى لا تؤدى إلى فتنة فى المجتمع وقد تشعل نارا تحرق الجميع، وأعتقد أن الحل فى كل هذه الحالات أن تظهر الفتاة فى مكان محايد مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان وتعلن هويتها الدينية وهل تم إكراهها على الإسلام فيتم مساعدتها وإعادتها إلى أسرتها مع اتخاذ إجراءات حماية لها ولأسرتها؟ أم أنها أسلمت بإرادتها ومازالت مصرة على عقيدتها الجديدة وفى هذه الحالة يتم تركها لحال سبيلها وللطريق الذى اختارته.



الإسلام لن يزيد إذا انضم إليه شخص لا يؤمن به إيمانا حقيقيا والمسيحية لن يضيرها أن يتركها شخص لا يعتقد فى صحتها، ولعل هذا يعيدنا إلى جلسات النصح والإرشاد والتى يطالب كثيرون بعودتها، وهى جلسات كانت تتم برعاية الأمن بين أحد كهنة الكنيسة وبين من يبدى رغبته فى ترك المسيحية واعتناق الإسلام حيث يناقشه ويحاول نصحه وإرشاده إلى العودة إلى المسيحية ويعرض مساعدته فى حل مشاكله إذا كانت السبب فى تركه عقيدته التى ولد بها سواء كانت مالية أو عاطفية أو أسرية، وإذا أظهر تمسكه بالإسلام يتم استخراج بطاقة شخصية له بدينه الجديد وينتهى الأمر بهدوء، وجلسات النصح والإرشاد بدأ تطبيقها بأمر صادر من الخديوى إسماعيل سنة 1863 بمناسبة رغبة قبطى فى ترك ملته ودخول الإسلام، حيث جاء فى الإفادة الخديوية «أن القبطى الذى يرغب فى اعتناق الإسلام يقدم عرضا يطلب فيه الخروج على الدين المسيحى، برغبته وبدون إجبار، واعتناقه الدين الإسلامى، ويجب استحضار كم قسيس من قسس الأقباط وكم عمدة من عمد الأقباط لأجل الإقرار أمامهم بأنه راغب فى اعتناق دين الإسلام من غير أن يجبره أحد فى ذلك لأجل ألا تكون هذه المسألة وسيلة فيما بعد للتشكى، وبعد إقراره أمامهم يصير التصديق منهم على الإقرار ويحفظ بالمديرية»، وبعد ثورة يوليو ألغيت الأوامر الخديوية وحلت محلها التعليمات الدورية والقرارات الوزارية لمأموريات الشهر العقارى بشأن تنظيم جلسات النصح والإرشاد ومنها الكتاب الدورى رقم 40 لسنة 1969 الذى أصدرته وزارة الداخلية، والمنشور 5 لسنة 1970، والمنشور رقم 5 لسنة 1971 ومنشور مماثل عام 1979 وآخر عام 1982 وكلها تتلخص فى أن: يتقدم المسيحى الراغب فى اعتناق الإسلام بطلب إلى مديرية الأمن المقيم فى نطاقها والتى تقوم بإخطار رئيس المذهب التابع له لإرسال واعظ لإسداء النصح والإرشاد.

وخلال الجلسات تكلف المديرية مندوبا تكون مهمته التأكد من هدوء الاجتماع وصحة ما جرى فيه، فإذا قبل المتقدم الاستمرار فى دينه الأصلى يتم حفظ الطلب، وإذا أصر على إشهار إسلامه يتم توثيقه فى مكاتب الشهر العقارى، واستمر الأمر على هذا الوضع لسنوات طويلة، ولكن بعد واقعة وفاء قسطنطين فى ديسمبر 2004 توقفت جلسات النصح والإرشاد، وهى واقعة أثارت وقتها ضجة كبيرة حيث كانت وفاء زوجة لقسيس كثيرا ما شكت لأهلها ولزملائها فى العمل ولبعض الكهنة من قسوته فى التعامل معها، ثم انتشر خبر عن إسلامها وتبع ذلك قيام عدد من الأقباط بمظاهرات داخل الكاتدرائية بالعباسية وأعلن البابا غضبه واعتكافه بالدير، وبعدها سلمت السلطات وفاء إلى الكنيسة باعتبارها مسيحية وأمر البابا وقتها بوضعها فى أحد الأديرة، واحتج السلفيون لفترة معلنين أنها أسلمت وحفظت أجزاء من القرآن وتم إجبارها على العودة إلى المسيحية، ومن وقتها لم تعد تعقد جلسات النصح والإرشاد، وبعدها أقام عدد من المحامين دعوى لإلغاء قرار وقف جلسات النصح والإرشاد، ولكن تم رفضها لعدم وجود قرار بهذه الجلسات وإنما كانت مجرد تعليمات وعرف يتم العمل به، وكذلك لأن المحامين الذين أقاموها ليس لهم صفة وأنه كان يجب على الكنيسة أن تقيمها بنفسها أو بتوكيل منها، أعتقد أنه آن الأوان فى دولة تسعى للمواطنة أن تعود جلسات النصح والإرشاد حتى نوقف أى فتنة يريد أن يستثمرها أى طرف لإشعال الحرائق فى البلد، ومرة أخرى لن يزيد الإسلام أو ينقص بانضمام شخص إليه لا يؤمن به إيمانا حقيقيا ولن ينقص إذا تركه، ونفس الأمر ينطبق على المسيحية، فهل تعود هذه الجلسات حماية لبلدنا من الفتنة؟.