كوميديا الزغزغة

 «لو أننى أملك أمور الإنتاج التليفزيونى لكتبت مسلسلاً يكسر الدنيا عن البنت التى تذهب للعمل فى أمان الله.. لكن المدير يسقيها حاجة أصفرة فتفقد الوعى وتحدث لها أشياء عيب وحرام.. ويعلم أبوها بالحكاية فيذهب للانتقام من المدير.. لكنه يموت فى حادث قطار.. ويأتى ابن العم من الصعيد الجوانى طلبًا للثأر.. وبالفعل ينجح فى قتل سائق القطار.. لكن رجل الشرطة يقف له بالمرصاد ويحب البنت المظلومة التى تعجب بابن عمها المشغول عنها بحب زوجة المدير الذى يصحو ضميره فى المسلسل فيتزوج الخادمة.. ويعيش الجميع فى تبات ونبات».

السطور السابقة كتبها الكاتب الكبير الساخر والصديق النبيل الراحل ناظر مدرسة السخرية البليغة الأسلوب والمحتوى وآخر ثمار عناقيدها البديعة فى ضحكاتها الصاخبة ومرارتها الإنسانية «عاصم حنفى».. عرفته منذ سبعينيات القرن الماضى وكلانا نخطو خطواتنا الأولى المضنية فى مشوار مرهق يحتشد بعذابات وعثرات وإحباطات وصدمات وإخفاقات ومعاناة مؤلمة ومعارك طاحنة وأزمات محبطة وصراعات دامية.. ومحاولات مستميتة لتجاوز أزمنة عاصية وظروفًا قدرية معاكسة فى رحلة مرهقة لإثبات الذات وتحقيق الأحلام.

أما السطور السابقة من مقاله المنشور فى «روزاليوسف» بعنوان «كوميديا الزغزغة» (3/7/2016) وفيها يسخر من شيوع وسيطرة الميلودراميات التى تقوم على أحداث فاجعة ومصادفات متوالية وأحزان قاتمة وبكاء وعويل ومبالغات مأساوية ومصادفات قدرية.. كما يسخر من خلو شاشة التليفزيون من الكوميديا الراقية والهادفة ويغلب على مسلسلاتها الضحك القائم على الهزار الرخيص والتريقة السخيفة والقافية المفتعلة.. والإفيهات الخشنة والتلاسن اللفظى الغليظ.. وحركات الجسد المبتذلة والملابس الغريبة المنفرة والسخرية من العاهات والضرب على الأقفية و«كوميديا الزغزغة».. ويطرح فى مقاله سؤالاً مندهشًا: «لا أعرف والله أين كتاب الكوميديا فى التليفزيون.. وآخر واحد أعرفه هو السيناريست عاطف بشاى الذى توقف فى ظروف غامضة».. ويشيد بمسلسل لى هو «يا رجال العالم اتحدوا» حيث الضحك من القلب والابتسامة حقيقية دون تعمد أو افتعال أو «زغرغة».. ويؤكد أنه مسلسل يعطى دروسًا مجانية لكل كتاب الكوميديا القائمة على الفكرة والهدف والمعنى.

يعز علىَّ فراقك كثيرًا بضحكتك الجميلة وقلبك العامر بالحب والوداد.. وقلمك الفياض بالسحر الخلاب.. والبهجة الصافية.. والتواضع الجم.. والحياء المدهش.