الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. لأول مرة يتحرك مجلس حقوق الإنسان فى جنيف ويأمر بالتحقيق فى واقعة السويد حرق المصحف.. جريمة عظمى

حقك.. لأول مرة يتحرك مجلس حقوق الإنسان فى جنيف ويأمر بالتحقيق فى واقعة السويد حرق المصحف.. جريمة عظمى

تحرك مجلس حقوق الإنسان الأممى فى مقر الأمم المتحدة بجنيف وقرر عقد اجتماع عاجل، بناء على طلب باكستان، وتأييد عدد كبير من الدول العربية والإسلامية لبحث واقعة حرق نسخة من المصحف خارج مسجد سويدى، وذكر  بيان المجلس أن النقاش سيمتد إلى بحث الارتفاع المقلق فى الأعمال العمدية والعامة التى تنم عن الكراهية الدينية كما يظهر من خلال تدنيس القرآن الكريم فى بعض الدول الأوروبية ودول أخرى.



 

أن تأتى متأخرًا أفضل من ألا تأتى أبدًا، وكاتب هذه السطور وجه انتقادًا حادًا للمجلس الأممى أكثر من مرة لتجاهله قضية حرق المصحف رغم كونها جريمة عظمى تمس حرية العقيدة وتنم عن عنصرية شديدة ومتأصلة فى الجسم الغربى وتتجاهلها الحكومات الأوروبية رغم أنها تتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان باعتبارها جزءًا من سياستها الخارجية. 

ردود الأفعال الغربية تباينت بشكل عام لأول مرة، فقد أدان البيت الأبيض الجريمة ولحقت به عواصم أوروبية، ثم خرجت الحكومة السويدية نفسها لتدين الفعل الذى سمحت به شرطتها نفسها، وتراجعت عن مقولات كانت ترددها سابقًا عن اختلاف الثقافات والعادات بين الشرق والغرب وأن تلك الجريمة البشعة فى حق الكتاب المقدس لملايين المسلمين تندرج تحت حرية الرأى والتعبير وهو أمر لا يتحقق مع شعارات النازية أو حتى مع وسائل الإعلام الروسية الممنوعة فى أوروبا بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية.

التهجم على المصحف الشريف استند على تساهل الآليات الحقوقية الدولية المعنية بحرية العقيدة مع جريمة حرقه، وهو ما دفع التيارات المتطرفة فى أوروبا إلى وضع المصحف الشريف كهدف ثابت ومتكرر لهذه الجريمة البشعة ضد ملايين المسلمين حول العالم.

مثل تكرار الجريمة دليلاً دامغًا على ازدواجية المعايير لدى الغرب فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحريته فى الاعتقاد رغم أنها من الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان ونص عليها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ويؤكد وجود خلل فى فهم المجتمعات الأوروبية لمعنى الحق فى الاعتقاد، بل إن بعض الحكومات الأوروبية تغض الطرف عن تلك الانتهاكات المتكررة ضد المسلمين والمهاجرين وضد ثوابتهم ومعتقداتهم بشكل منهجى كرّس تنامى مشاعر العداء بشكل يهدد حياتهم ويهدد حقوقهم.

صمت الآليات الدولية على ذلك الانتهاك المستمر للدين الإسلامى فى الغرب زاد من حالة الاحتقان ومهد لمزيد من أعمال العنف فى المستقبل وأعطى للتيارات المتشددة والتكفيرية الفرصة لتجنيد عناصر جديدة لتنظيماتهم وعلى أثرها ظهرت الذئاب المنفردة وهزت جرائمها أوروبا ومع زيادة مساحة الكراهية تراجعت قدرة المؤسسات العاملة على نشر قيم التسامح والتعايش وأفسدت فرصة الاندماج أمام المهاجرين.

وكان من الخطأ الجسيم اعتبار المسئولين الغربيين الاعتداءات على المقدسات الدينية والكتب المقدسة حرية تعبير، كما يدعى البعض، بل إن الصكوك والمعاهدات الدولية نصوصها واضحة ومترابطة، حيث تشير إلى أن التمييز على أساس الدين أو المعتقد يمثل إهانة للكرامة الإنسانية وإنكارًا لمبادئ الأمم المتحدة.

كما أن عدم احترام الحكومات الأوروبية لحقوق الأقليات والمهاجرين فى الاعتقاد، وتراخيها فى مواجهة حملات الكراهية المنهجية ضد المسلمين، تطلق العنان لانتشار الإسلاموفوبيا فى المجتمعات الغربية، وفتحت المجال أمام انتشار خطاب الكراهية المضاد ومنح للجماعات التكفيرية هدايا مجانية سمح لها بنشر خطاب مظلومية كان له صدى عند أجيال جديدة داخل أوروبا.

وبالعودة إلى نقطة التراجع وظهور إدانات غربية، طرح الموقف المغاير للقادة الغربيين هذه المرة سؤالاً وجيهًا يدور حول سر التراجع  وأسباب اختفاء نغمة الحرية الغربية التى استخدمها قادة أوروبيون لتبرير جرائم عديدة ضد المسلمين والدفاع عن نفسهم مع ملاحقتهم  بالإدانات العربية والإسلامية؟

هناك عدد من السيناريوهات وكلها تنطلق من السياسة وتنتهى عندها، الحرب فى أوكرانيا ورغبة السويد فى الانضمام إلى الناتو أبرزها، لكن أخطرها هو خروج الرئيس الروسى فلاديمير بوتين محتضنًا المصحف الشريف ومنددًا بجريمة حرقه، وهو المشهد الذى حاز على إعجاب المسلمين ودفع مؤسسات دينية إسلامية إلى شكر بوتين على موقفه.

فى اليوم التالى تقريبًا أدان البيت الأبيض الجريمة ثم عزفت السيمفونية الأوروبية خلف البيت الأبيض وتوارت سردية حرية الرأى والتعبير وحقوق الإنسان، وأخيرًا تحرك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمناقشة الموضوع ضمن جرائم الكراهية، وبالتالى لا يمكن استبعاد الحرب الأوكرانية من معادلات تغير المشهد الأوروبى.

ومع افتراض حسن النية، وأن الغرب قرر وقف تلك الجريمة، فهل تنتهى بقرار ويتوقف التهجم على المصحف الشريف؟

أتصور أن الأمر يحتاج إلى دراسة الأسباب التى تدفع ببعض الموتورين إلى الإقدام على تلك الجريمة تحديدًا فى السويد والتى تكررت فيها عدة مرات فى السنوات الأخيرة، ثم يأتى بعد ذلك موافقة الشرطة السويدية التى تحججت بألا يوجد لديها ما يمنع قانونًا ذلك الفعل، ووفق قاعدة المعاملة بالمثل، لماذا اتفق الغرب على تجريم النازية ومعاداة السامية بينما تركت الدين الإسلامى فى مرمى نيران الكراهية، يحدثنا لسان الغرب بأن تقاليدهم تسمح بالتهجم على الأديان كل الأديان وليس الدين الإسلامى فحسب، داعمين ذلك بأن أوروبا بلا دين رسمى وأنها دول علمانية تفصل الدين عن السياسة، ولذلك تتجرأ الميديا الغربية على كل الأديان ومعتبرة ذلك جزءًا من ثقافتها التى تقدس حرية الرأى والتعبير.

لكن على الجانب الآخر قائمة المحظورات الأوروبية كبيرة، على رأسها حظر الهجوم على السامية وحظر شعارات النازية وأخيرًا حظر ا لرأى الروسى وحظر توجيه أى انتقاد لمجتمعات الشواذ جنسيًا، والقائمة تطول ولكنها كاشفة لازدواجية المعايير والعنصرية فى التعامل مع القضايا محل الجدل والنقاش وهى معبرة بلا شك على التعالى الغربى والرغبة فى تحقير الآخر.

الأمور فى الغرب تغيرت.. هكذا تخبرنا الأزمة الأوكرانية، والتظاهرات العنيفة فى فرنسا والتى تنطلق من نقطة تهميش الأقليات وتصاعد خطاب الكراهية بالإضافة إلى لجوء أوروبا إلى العنف القاتل ضد المهاجرين واللاجئين وهى كلها أمور تزيد من حالة الاحتقان بين الشرق والغرب، ناهيك عن تصدير الأزمات الاقتصادية من الشمال إلى الجنوب وتأثر نمط المعيشة فى كثير من البلدان بسبب رفع الولايات المتحدة للفائدة على الدولار وسحق الاقتصاديات الناشئة تحت ضغط شروط البنك الدولى.

لا شك أن احترام حقوق الإنسان يستلزم من الغرب إعلاء القواسم المشتركة من التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمى بين الشعوب، ونبذ دعوات التحريض والكراهية، والتوقف عن أعمال العنف والتخريب والأعمال الاستفزازية التى من شأنها الإضرار باستقرار المجتمعات وأمنها وسلامها. 

وأخيرًا الاعتذار السويدى غير كافٍ وملايين المسلمين حول العالم ينتظرون حظرًا قانونيًا يمنع المتعصبين من تكرار جريمتهم العظمى.