الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«نجيب سرور» والمسرح الكبير

«نجيب سرور» والمسرح الكبير

«نجيب سرور» (1 يونيو 1932 – 24 أكتوبر 1978) هو إحدى درر الفن الغالية فى «مصر» فى الستينيات والسبعينيات، فقد كان متعدد المواهب والاتجاهات والمشارب.. وهو أحد فرسان المسرح مؤلفًا وشاعرًا ومخرجًا منها مسرحيات «ياسين وبهية» و«آه يا ليل يا قمر» و«يا بهية خبرينى» و«ملك الشحاتين» و«قولوا لعين الشمس»، وقد عاصرته وكان يملأ الدنيا فنًا وتوهجًا وصخبًا وجنونًا ويخوض معارك أدبية وفكرية وسياسية نارية وجسورًا مستخدمًا قلمًا حادًا لاذعًا كأنه الرماح يهتك به أستارًا من الزيف والكذب والنفاق ويسخر فى هجاء قاسٍ من نماذج بشرية شوهاء.



تخرج «نجيب سرور» فى معهد التمثيل (المعهد العالى للفنون المسرحية حاليًا) (1956) وفى أواخر عام 1958 سافر فى بعثة إلى الاتحاد السوفيتى، حيث درس الإخراج المسرحى وعاد إلى مصر 1964 وفى فترة السبعينيات عانى ظروفًا مأساوية فقد اضطهد وجاع وتشرد وطورد وفصل من أكاديمية الفنون، حيث كان يعمل أستاذًا للإخراج والتمثيل وأدخل عدة مرات إلى مستشفى الأمراض العقلية.

يقول عنه صديقه الحميم الروائى «عبده جبير» إنه كان أكثر البشر حساسية ورهافة.. وكان يحب مصر إلى حد الهوس.. ولعل تلك الحساسية بالإضافة إلى الضغوط السياسية والاجتماعية التى تعرض لها هى التى أدت به إلى غياب العقل.. فكلما كان صاحب النفس أكثر رهافة أصابه نصيب من الجنون.. والحالة هنا أقرب إلى الفصام الذى يتمثل فى اضطراب علاقة المريض بالعالم الخارجى، مما يجعله يعيش عالمًا خاصًا محتشدًا بالخيالات، ومن ثم اضطراب الإدراك الحسى والواعى واضطراب الشعور والانتباه والتفكير الذى يتجلى فى الإسقاط والهذاءات وعدم تمييز الواقع وكثرة الهلاوس السمعية والبصرية وانعدام التوافق بين الانفعال والسلوك.. وربما يتأكد لنا ذلك من خلال واقعة يشهد عليها «عبده جبير»، حيث يقول: فى ميدان التحرير رأيت نجيب سرور يقوم بأداء عرض مسرحى كامل ممسكًا بيد ابنه الصغير ويصيح: ألأونا.. ألا ترى. من يشترى الورد منى. وتذكرت أننى حينما رأيته منذ ليالى مضت على خشبة وكالة الغورى. يقوم بالتمثيل فى مسرحية «أوكازيون» أحسست ساعتها بأن مساحة المسرح ضيقة على هذا الممثل العبقرى. وهأنذا أراه وقد وجد الحل.. التمثيل فى أكبر ميادين القاهرة.. فهذا هو المكان الوحيد الذى يمكن أن يستوعب هذه الطاقة الجبارة.. لم يكن «نجيب سرور» وهو يعرض ابنه للبيع يعبث..  بل إنه أراد أن يقول للجميع.. هذه هى الخشبة الوحيدة التى يمكنها أن تستوعب موهبتى الكبيرة.

كان الجمهور يعرف بالطبع أن هذا هو «نجيب سرور» الممثل العبقرى. الكاتب والشاعر.. لذا فقد رأيت الدموع فى عيون الناس.. وهم يتابعونه فى شغف وأسى.