السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
شريعة الضحك

شريعة الضحك

«الله يرحمكم أنتم يا ابنى».. لقد أطل على شاشة التليفزيون وعلى وجهه ملامح أسى ومرارة لا يخلوان من سخط وامتعاض وسخرية وقد فقد ضحكته المجلجلة والمتميزة والتى تكشف عن فمه الواسع الكبير وهو يردد العبارة السابقة.. من خلال كاريكاتير للفنان الكبير المبدع «عمرو سليم» رسمه فى صحيفة المصرى اليوم مؤخرًا.. والتى يصور فيها رجلاً جالسًا فى مواجهة التليفزيون.. وفى يده جريدة مكتوب فى إحدى صفحاتها «ذكرى وفاة إسماعيل يس».. فيتمتم الرجل بحسرة وحزن: «الله يرحمك يا سمعة» – فتبدو المفارقة المؤسفة من خلال رد «إسماعيل يس» المتخيل هو الذى ينعى المواطن البائس.. ويدعو له بالرحمة مرددًا العبارة التى بدأت بها المقال «الله يرحمكم أنتم يا ابنى». 



إن إسماعيل يس الذى ينعى حال الكوميديا الحقيقية التى ولت بغروب شمس الزمن الجميل الذى سطع فيه نجمه فأضحك الملايين من أجيال متعاقبة ضحكًا صافيًا راقيًا.. مستندًا على دعامتى المفارقة وسوء التفاهم اللتين تميزان فن الكوميديا منذ «أرسطو» وحتى غابت بفضل زماننا الضنين، والرحمة التى يطلبها لنا هى الدعوة التى تخلصنا من الطوفان الغث من الضحك الرخيص المسيطر الذى يضج بالسرد التافه والأحداث المتعاقبة إسفافًا وتدنيًا وسطحية وتهافتًا يقدمها رهط من الأدعياء ثقلاء الظل معدومى الموهبة الذين يتمتعون باللزوجة والسماجة وقبح المقصد ورداءة المضمون وتكتظ بهم الشاشات والمنصات وخشبات المسرح.

أما «إسماعيل يس» أحد أهم أيقونات الكوميديا فى مصر والوطن العربى والذى يتمتع منفردًا بحالة خاصة وبراقة ومدهشة تتمثل فى أنه رغمًا عن رحيله منذ أكثر من ثلاثين عامًا، فإنه يظل حيًا ومؤثرًا ويزداد تألقًا وشهرة ولمعانًا وعابرًا للأجيال يستمتع برؤية أفلامه الكبار والصغار وقد بلغت (166) فيلمًا بالإضافة لأكثر من خمسين مسرحية.. وأصبح بعد رحلة طويلة من المعاناة والكفاح أحد أبرز نجوم السينما وثانى اثنين فى تاريخ السينما المصرية تنتج لهما أفلام بأسمائهما بعد «ليلى مراد».

عاش إسماعيل يس (1912 - 1972) طفولة بائسة تشبه إلى حد كبير طفولة «شارلى شابلن» المريرة.. لم يكمل دراسته الابتدائية وترك المدرسة عقب وفاة أمه ودخول أبيه المدمن السجن فعمل مناديًا أمام محل بيع أقمشة.. ثم نزح إلى القاهرة وغنى فى الأفراح والمقاهى حتى انضم إلى فرقة «بديعة مصابنى» ثم فرقة «على الكسار» وعمل كمونولوجست وممثل.. يقول فى مذكراته: «لم أخلق وفى يدى ملعقة من ذهب.. لكن خلقت لأذوق الحنضل.. فكافحت وتعذبت وعرفت البؤس والصياعة وقلة القوت والتشرد وفى كثير من الأيام كنت أبحث عن اللقمة فلا أجدها وتحفى قدماى إلى مأوى أى مأوى غير الجوامع».

انتزع إسماعيل يس روح المرح والضحك من الحزن العميق الذى كثيرًا ما يتوافر فى أشرف الناس وأكثرهم نبلًا وصفاء واجتهادًا فى تجميل الحياة.. فالضحكة هى الاكتشاف الذى توصلت إليه هذه النفوس العميقة التى شربت أكثر كئوس الحزن مرارة وعرفت أن معظم ما فى الحياة هو احتمال الحياة.. ولكى تحتمل الحياة لابد أن تضحك.. هكذا تكلم «زرادشت» على لسان الفيلسوف الكبير «نيتشة».. وقال: «لقد أتيت بشريعة الضحك.. فيا أيها الإنسان الأعلى تعلم كيف تضحك».

وهكذا ضحك «إسماعيل يس» وضحك معه الملايين.