الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
نظرية المؤامرة بين الحقيقة والجنون

نظرية المؤامرة بين الحقيقة والجنون

تُعرَّف (المؤامرة) بأنها (محاولة شرح السبب النهائى لحدث أو سلسلة من الأحداث «السياسية والاجتماعية أو أحداث تاريخية» على أنها أسرار غالبًا ما يكون خلفها عصبة حكومية متآمرة)، فى حين تُعرَّف (النظرية) على أنها (طائفة من الآراء التى تحاول تفسير الوقائع العلمية أو الظنية أو البحث فى المشكلات القائمة على العلاقة بين الشخص والموضوع أو السبب والمسبب)، كما يُعرَّف (الاحتمال) بأنه (هو أحد الخيارات المتاحة أمام تجربة أو حادثة غير محسومة النتيجة).



وضعت هذه التعريفات فى البداية كمحاولة لتفكيك مصطلح (نظرية المؤامرة) التى شاع استخدامُها على نطاق واسع هذه الأيام، فتحليل العديد من الأحداث والمواقف والقرارات بشكل مغاير للتفسير الرسمى الذى يروج له الإعلام بشكل مقدس جعل النظر لاحتمالية وجود سبب آخر يقف خلف الحدث أو الموقف غير ذلك الذى يروّج له من نظريات المؤامرة والتى تطلق كنوع من الهجوم المُغرض على تلك الحكومة أو تلك الجهة التى قد ترتبط أو قد لا ترتبط بشكل واضح مع الحدث.

شاعت بعد أحداث سبتمبر الشهيرة الكثير من النظرات التى كانت تقول إن ما حدث فى نيويورك وواشنطن ليس إلا مؤامرة أمريكية يهودية ماسونية لحُكم العالم فحملت تلك الجهات مسئولية التخطيط وتنفيذ تلك الأعمال الإرهابية عبر سلسلة من الإثباتات التى بعضها يروق لمن يسعى للهجوم على كل ماهو رسمى وحكومى ممن يعرفون بمعارضى المؤسّسة؛ وذلك من أجل أن يحكموا العالم عبر إعادة رسم سياسته العالمية بتغيير وجه الجغرافيا والسياسة والأمن الداخلى لتحقيق الهيمنة المطلقة على الاقتصاد والسياسة وحُكم البشر.

قد نتفق أو نختلف مع تلك التبريرات، فربما بعض الحجج التى تساق لإثبات تلك الرؤية فيها ما يقنع العقل؛ وذلك لاستنادها للغة المنطق التحليلى، ومنها ماهو بعيد كونه يعتمد على تفسيرات غارقة فى الخيال والتى يصعب على المنطق قبولها وإن كانت تثير بعض التساؤلات.

ما يهمنى هنا هو النظر لمصطلح نظرية المؤامرة من منطلق مختلف، فليس كل تشكيك بالضرورة يُعَد نظرية، فكثير منه وبفعل الإثباتات الملموسة وليست الظنية هو أقرب للاحتمال، فالخيارات التى تطرح عبر التحليل العلمى الذى يصعب على العقل دحضه يُحَوّلها من مجرد نظرية تعتمد على الرأى لتفسير قابل لأن يكون حقيقة وبالتالى تحوّله من مجرد فكرة إلى واقع محتمل.

فى كتاب «نقد الخطاب الدينى» لنصر حامد أبو زيد لخّص من وجهة نظره أن من أكبر عيوب ذلك الخطاب هو إرجاع كل الإخفاقات والتخلف الذى أصاب العالم الإسلامى لتبريرات ميتافيزيقية ملخصها أن البعد عن الدين القويم هو السبب الأساسى لواقع المسلمين.. مرجعًا استخدام هذا التبرير لضعف الخطاب الدينى فى البحث فى الأسباب الحقيقة والأحداث المفصلية (العلمية والاجتماعية والسياسية والطائفية) التى مَرّ بها العالمُ الإسلامى والمسلمون عبر تاريخهم والتى أدت لهذا الحال الذى يوصف بالتخلف، فإرجاع الأسباب لأمور خارج حدود التفسير العلمى والمنهجى من السهل تمريرها دون تمحيص؛ خصوصًا إذا كانت باسم الدين.

فى حال نقد الأحداث الراهنة؛ فإن العالم يتجه أكثر فأكثر للنظر للأمور من ذات المنطلق الذى تحدّث عنه «أبو زيد»، فركز على التسليم بالتفسيرات المُعَلبة التى يطلقها من يتحكم بلغة الإعلام والسياسة بفعل سيطرته على مواطن القوَى الشعبية، فتحول تفسيره المقدم على أنه التفسير الوحيد والصحيح وأن كل التفسيرات التى قد تعتمد على التحليل المنطقى أو العقلى التى تستند لإثباتات ملموسة أو عملية ما هى إلا مجرد نظرية مؤامرة لا يمكن للعاقل القبول بها.

الاستمرار بقبول التفسيرات المُعَلبة باعتبارها مُسَلّمات يُعد من أهم معطلات التفكير الإنسانى والركون لرأى الأغلبية من أكبر تحديات خلق الابتكار والبحث عن الجديد خارج الصندوق، لذلك من المهم أن ننظر لأى تفسير مطروح مَهما بدا خارجًا عن المألوف باعتباره قد يحمل احتمالية فى ثناياه، فنسبر تبريراته ونختبر معطياته ونُحَكّم العقل والمنطق قبل تحديد قناعاتنا، فبذلك سنكون قادرين على أن نكتشف أنه ليس كل ما يقال حقيقة بالضرورة وليس كل مجنون حقًا «مجنون».