الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
70 عامًا على اكتشافه  وما زالت محاكمنا لا تعترف به

70 عامًا على اكتشافه وما زالت محاكمنا لا تعترف به

..بالصدفة تزامن  منذ أيام قليلة مرور 70 عامًا على اكتشاف تحليل «دى إن إيه» مع صدور حكم من محكمة الأحوال الشخصية برفض الاستناد إليه فى إحدى قضايا النسب، حيث اعتمدت فى حكمها على  القاعدة الشرعية «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، ما أدى إلى نسب أطفال إلى غير آبائهم الحقيقيين، وكان رجل أقام دعوى بنفى نسب أطفال إليه بعد أن ثبتت خيانة الزوجة له وعدم قدرته على الإنجاب، وهو ما أكده تحليل «دى إن إيه» بأن الأطفال ليسوا من صلبه، ولكن المحكمة رفضت الدعوى وأصرت على نسبتهم إليه، وكأن الإسلام ضد العلم وهى معضلة كتبت عنها من قبل راجيًا من الإمام الأكبر شيخ الأزهر التدخل لحلها حتى لا تتسبب فى الإساءة إلى الدين الحنيف الذى يدعو إلى التعلم والأخذ بالعلم، وكانت أول آية أنزلت فى كتابه المبين «اقرأ باسم ربك الذى خلق»، كما تعددت الآيات الكريمة التى تدعو إلى التعلم والتدبر والتفكير، ولا شك أن الاستعانة بالعلم لا يضر الدين ولكن الابتعاد عنه يشوه صورته ويوصمه بالجهل والإسلام من هذه التهم براء، كما أرجو أن يتدخل المشرع ممثلا فى مجلس النواب ووزارة العدل لإجراء تعديل قانونى يلزم المحاكم بالأخذ بتحليل «دى إن إيه» إعمالا للعدل وإنصافًا للعلم وتثبيتًا للحق.



لكن ما هو «دى إن إيه»؟ ببساطة وحسب ما نشر فى الدوريات والمقالات العلمية هو الحمض النووى الذى يحتوى على المعلومات الوراثية للكائنات الحية، والاختلاف فى المادة الوراثية هو ما يخلق الاختلافات بين الأشخاص فى الصفات البيولوجية مثل: لون العين، والبشرة والشعر والطول وغيرها، وتنتقل الصفات الوراثية من الآباء والأجداد إلى الأبناء؛ إذ يحصل الطفل على نصف الحمض النووى من الأم، والنصف الآخر من الأب ويفسر ذلك سبب حمل الكائنات الحية لصفات وراثية من كلا الأبوين فطفل ما على سبيل المثال قد يكون أسمر البشرة مثل أبيه وله عينان زرقاوان مثل أمه، وبالتالى فإنه يُمكن تحديد نسب الطفل عن طريق إجراء تحليل (دى إن إيه) له من خلال أخذ عينة من الدم أو الشعر أو الأظافر.

ويتفرد كل شخص بـ «دي إن إيه» يميزه عن غيره باستثناء التوأمين المتماثلين اللذين يشتركان فى نفس الحمض النووى، كونهما ينشآن من الخلية الأولية ذاتها، ومنذ هذا الاكتشاف البيولوجى الكبير فى مايو 1953 والذى كان وراءه العالمان فرانسيس واتسون وجيمز كريك وفازا بسببه بجائزة نوبل بدأت صناعة ضخمة ترتبط به لأغراض علمية وأخرى تجارية، وظهرت الهندسة الوراثية وعلم الأحياء التركيبى الذى يهدف إلى تصميم أجهزة بيولوجية اصطناعية جديدة أو إعادة تصميم النظم البيولوجية الطبيعية الموجودة، ولم تتوقف الأبحاث والدراسات عند هذا الحد ففى عام 2003، أعلن فريق من العلماء الدوليين عن نجاحهم فى رسم خريطة للجينوم البشرى، والجينوم هو مجموعة المعلومات الوراثية الموجودة فى تسلسل «دي إن إيه» فى الكائن الحى ما يسمح بالوصول إلى معلومات عن الأنواع الديموغرافية للبشر، والمجموعات البشرية التى اختلطت ببعضها بعضًا وأين ومتى تم ذلك الاختلاط؟

ومؤخرًا أعلن علماء من جامعة أوكسفورد أنهم تمكنوا من تتبع أضخم شجرة عائلة بشرية على الإطلاق، تعود أنسابها إلى 100 ألف عام، ما يمكن الأفراد من معرفة أنسابهم، ومن هم أجدادهم الأولون وأين عاشوا؟، الأمر الذى يتيح فهم تطور البشرية وتاريخها، ولكن أهمية «دى إن إيه» لم تتوقف عند ذلك فقد تم الاستفادة منه فى تحسين المحاصيل الزراعية بعد إجراء تعديل وراثى لها لجعلها أكثر مقاومة للأمراض والآفات، وكذلك زيادة إنتاجيَّتها ونموّها على نحوٍ أفضل، وتقليل الآثار السلبية للزراعة على البيئة، كما يستخدم أيضا فى الكشف عن الجرائم، إذْ يمكن التأكد من مرتكب الجريمة بمقارنة عينة من الحمض النووى له بالحمض النووى للأدلة المتوفرة فى مسرح الجريمة إذا وجدت مثل بقع الدم وأجزاء من الجلد وخصلات الشعر، والأهم أنه يمكن الكشف المُبكّر عن وجود أمراض لدى الجنين قبل الولادة، وكذلك الاضطرابات الوراثيّة عند الأطفال حديثى الولادة ما يجعلها قابلة للعلاج قبل استفحالها، هذه هى الفوائد العلمية، ولكن أيضًا لا يجب إغفال ما قدمه لنا «دى إن إيه» فى معرفة الأنساب بدقة وهو ما لا يجب تجاهله فى قضايا الأحوال الشخصية ولذلك يجب أن يعمل به الأزهر فلا تعارض بين العلم والدين وتأخذ به محاكمنا فلا تنسب أطفالا إلى غير آبائهم الحقيقيين، وأن يتدخل المشرع ومجلس النواب بتعديل قانونى يحل المعضلة.