الإثنين 29 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

رغم الزيادة العاشرة للفائدة الاقتصاد الأمريكى «كارثة» اقتصادية

أعلن الأربعاء الماضى الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى عن رفع الفائدة للمرّة العاشرة بمقدار 25 نقطة، متفقًا مع توقعات الأسواق العالمية، وذلك بهدف الحد من مواجهة أزمة الركود التى ضربت أقوَى اقتصاد فى العالم، وعلى الرّغم من أن قرارات الفيدرالى الأمريكى قد عملت على انكماش ضئيل لشبح الركود؛ فإن الولايات المتحدة تواجه عددًا من الأزمات الاقتصادية بصورة حادة دون إيضاح خطة الإدارة الأمريكية عن كيفية مواجهة هذه الأزمات.. بين أزمة إفلاس البنوك.. وارتفاع التضخم، فضلاً عن معارك ضارية فى الكونجرس لرفع سقف الدَّيْن الحكومى.. تتخبط الولايات المتحدة لمواجهة كل هذه التداعيات لتقف مكتوفة الأيدى أمام تطوُّر الأوضاع الاقتصادية فى فترة حاسمة قبل الانتخابات الرئاسية فى 2024.



 لغة مختلفة

جاء إعلانُ الفيدرالى الأمريكى- الأربعاء الماضى- برفع سعر الفائدة لتصل إلى 5.25% للمرّة الأولى فى التاريخ الأمريكى، وذلك للمرّة العاشرة على مدار عام كامل منذ 2022، ولكن هذه المرّة كان استخدم بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى لغة غريبة، والفارق بين بيان ما بعد اجتماع «متشدد» وآخر «تيسيرى» يمكن أن يختزل فى تعديل كلمة واحدة فقط «من الأفضل للمستثمرين الباحثين عن مؤشرات تدل على أن «التوقف المؤقت» فى زيادات أسعار الفائدة اقترب حاليًا، أن يراقبوا بشدة أى تعديلات تطرأ على جملة أساسية واحدة فى البيان الختامى للجلسة.

بالطبع كان الأمْرُ المستحدث الأساسى فى أعقاب الاجتماع الأخير لبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى؛ هو أن صُنّاع السياسة تركوا البابَ مفتوحًا على ما يبدو أمام نهاية محتملة لزيادات الفائدة، وإن لم يكن ذلك قريبًا ولكن بمرحلة مستقبلية. لاستيعاب ذلك، كان يجب أن يستوقفك تطور دقيق فى البيان الصادر 22 مارس الماضى مقارنة ببيان صدر قبل 7 أسابيع بالأول من فبراير. تحديدًا، تحوُّل لغة البيان المكتوب بعد اجتماع بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى (فى الفقرة الثالثة) كانت «وتتوقع اللجنة أن تكون الزيادات الجارية للنطاق المستهدف ملائمة...».

وقال «الاحتياطى الفيدرالى» فى بيان بنهاية اجتماع لجنة السياسة النقدية الذى استمر يومين: إنَّ اللجنة لا تزال مهتمة للغاية بمَخاطر التضخم الذى لا يزال مرتفعًا.. مشيرًا إلى أن النشاط الاقتصادى فى الولايات المتحدة «توسع بوتيرة متواضعة» فى الربع الأول، فى حين كانت زيادة الوظائف قوية فى الأشهُر الأخيرة، وظل معدل البطالة منخفضًا.

وجاء فى البيان، أنه فى إطار تقييم الموقف المناسب للسياسة النقدية؛ ستواصل اللجنة مراقبة انعكاسات البيانات الواردة على التوقعات الاقتصادية، وستكون مستعدة لتعديل موقف السياسة النقدية بالشكل المناسب إذا ظهرت مَخاطر قد تعرقل تحقيق أهدافها بإعادة التضخم إلى المستوَى المستهدف عند 2 % الذى تلتزم فيه بشدة. وستأخذ تقييمات اللجنة فى الاعتبار مجموعة واسعة من البيانات، بما فى ذلك قراءات حول ظروف سوق العمل، وضغوط وتوقعات التضخم، فضلاً عن التطورات المالية والدولية.

 رد فعل الأسواق

وتفاعلت سوق الأسهم الأمريكية سلبًا مع قرار الاحتياطى الفيدرالى وتصريحات رئيسه جيروم باول التى أعقبت اجتماع لجنة السياسة النقدية، إذ انخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنحو 0.3%، كما تراجع مؤشر «ناسداك» الذى تغلب عليه أسهم شركات التكنولوچيا بنحو 0.25%، ومؤشر «داوجونز الصناعى» 0.4 % عند الساعة 3:30 بعد الظهر بتوقيت نيويورك.

كذلك؛ تراجع الدولار فى أسواق العملات؛ حيث ارتفع اليورو 0.5 % إلى 1.1047 دولار، فيما ارتفع الجنيه الإسترلينى 0.7 % إلى 1.2547 دولار، وانخفضت العُملة اليابانية مقابل الدولار 1.4 % إلى 135.17 ين.

 مؤشرات الأزمة

ومنذ أزمة إفلاس البنوك الأمريكية خلال الفترة الماضية والتى بدأت بزلزال بنك «سيليكون فالى» و«سيجنتشر»، جاءت كارثة أخرى لتضرب واحدًا من أكبر البنوك الأمريكية «فيرست ريبابليك بنك» ليعلن عن انخفاض قيمته التسويقية فى البورصة، وحاولت الحكومة الفيدرالية الضغوط على المصارف الإقليمية فى الولايات المتحدة لشراء أسهم البنك التى بدأت فى التراجع؛ مما أثار المخاوف من زيادة المعاناة فى نظام الإقراض.

وزادت البنوك الاقتراض الطارئ من الاحتياطى الفيدرالى للأسبوع الثانى على التوالى فى إشارة إلى الضغط المستمر فى النظام المصرفى. وأفاد الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك أن الأوضاع المالية فى منطقته تدهورت بشدة.

وأظهرت هذه المشكلة المخاوف من أن أزمة ائتمان قيد التشكل، وسيتعين على المسئولين معرفة كيفية الموازنة بين مخاطر تشديد شروط الاقتراض، وتلك الناجمة عن مساعى كبح التضخم الجامح، ومنها الوقوع فى براثن الركود.

وأوضحت أماندا لينام، رئيسة أبحاث الائتمان الكلى فى «بلاك روك فايننشال مانجمنت» (BlackRock Financial Management أن الإقراض من البنوك الأمريكية فى طريقه للتقلص خلال الأرباع القليلة التالية، مضيفة خلال مذكرة أصدرتها الخميس الماضى قبل اجتماع الفيدرالى الأمريكى، أن الرياح المعاكسة للربحية، بما فى ذلك ارتفاع تكاليف الودائع، قلصت فروق أسعار الفائدة بين التى تفرضها البنوك على القروض والتى تدفعها على الودائع المصرفية مقارنة بالمؤسّسات غير المالية.

وتأتى الضربة التى لحقت بتوفر الائتمان مع تقلص المعروض النقدى، فى إشارة إلى أن رفع الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة يتسبب فى «خروج الأموال من النظام المصرفى»، مما يقلل من توفر القروض، ويمكن أن يؤدى ذلك إلى إبطاء الاقتصاد؛ حيث يشير خبراء السياسات النقدية إلى أنه قد ينذر بحدوث انهيار وانكماش.

أفاد «الاحتياطى الفيدرالى» فى دالاس وسان فرانسيسكو الأسبوع الماضى، بوجود ضغوط على التمويل فى منطقتيهما الجغرافيتين، مع إلغاء مشروعات وتوقع زيادة القروض المتعثرة.

كما أن هناك أزمة جديدة وهى القروض الاستهلاكية المعدومة؛ حيث أوضح تقرير البنوك الأمريكية الربع سنوية أنها عززت مخصّصات القروض الاستهلاكية المعدومة إلى مستويات لم يسبق لها مثيل منذ الأيام الأولى لجائحة كورونا. فعلى سبيل المثال، زادت شركة «كابيتال وان فايننشال» (Capital One Financial) مخصّصاتها لخسائر بطاقات الائتمان بأكثر من 300 % إلى 2.26 مليار دولار مقارنة بالعام السابق. وقالت الشركات إنَّ المخصّصات المتزايدة هى مجرد عودة المستهلكين إلى معايير ما قبل الجائحة.

من جهة أخرى؛ قفز حجم القروض المتداولة بأسعار بخسة، والمحددة بأقل من 80 % من القيمة الاسمية، 26 % إلى نحو 127 مليار دولار منذ نهاية فبراير؛ وفقًا لبيانات شبكة «بلومبرج». ويقارن ذلك بزيادة 10 % للسندات إلى زهاء 488 مليار دولار.

وأوضحت أرمين بانوسيان ودانييل بولى، المديران الإداريان فى «أوكترى كابيتال مانجمنت» (Oaktree Capital Management)، فى مذكرة الأسبوع الماضى: «نعتقد أن سوق القروض، التى كان لديها تاريخيًا معدل تخلف عن السداد أقل من سوق السندات ذات العائد المرتفع، ستسجل معدلاً أعلى خلال هذه الدورة، ويرجع ذلك إلى الطبيعة الميسرة لمعظم القروض وزيادة انتشار هياكل رأس المال للقروض فقط».

 قنبلة موقوتة

لم تتوقف الأزمة الاقتصادية الأمريكية عند رفع الفائدة البنكية أو عند أزمة القروض فحسب؛ بل جاءت قنبلة موقوتة أخرى وهى رفع سقف الدَّيْن الحكومى، والذى فجَّر الخلاف بين الرئيس جو بايدن وأعضاء النواب الأمريكى لرفضهم رفع سقف الدَّيْن الذى وصل إلى 31.4 تريليون دولار سوى بحد أقصى بقيمة 1.5 تريليون دولار، وهو ما لا يفى بقيمة الديون الأمريكية.

ومن شأن تخلف الولايات المتحدة عن سداد الدَّيْن الاتحادى؛ أن يعرّض النظام المالى الأمريكى لأكبر صدمة منذ إفلاس مصرف «ليمان براذرز»، الذى جلب أسوأ ركود منذ الكساد الكبير.

وتعتبر أزمة الدَّيْن الأمريكى قنبلة موقوتة قد تنفجر مسببة أضرارًا ليس فى الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بل سوف تشمل العالم أيضًا ولكن فى كل مرّة يتم تأجيل انفجارها عن طريق رفع سقف الدَّيْن الحكومى، ويُعَد أهم أسباب تفاقم انعكاسات الأزمة أيضًا أن أمريكا تتحكم بما يصل إلى 40 % من حجم التجارة العالمية، والدولار هو عملة التعاملات التجارية العالمية.

ولذلك؛ فإن الدول تسعى لاتخاذ إجراءات وتحسبات احتياطية تقلل من المَخاطر التى يمكن أن تلحق بها نتيجة تفاقم الدَّيْن الحكومى الأمريكى، فمن المعروف أن الخطر الحقيقى الذى يواجه أى دولة هو أن يكون معدل نمو الدَّيْن أسرع من نمو الناتج المحلى الإجمالى لفترة طويلة من الزمن، وبالتالى ترتفع نسبة خدمته حتى يتجاوز قدرة الاقتصاد على خدمة ديونه فتضطر الدولة حينها إلى التوقف عن الوفاء فى الالتزام بديونها المستحقة، وهذا يعنى أن الدولة مفلسة من الناحية الفنية!

أزمة سقف الدَّيْن الأمريكية قد تؤثر على الاقتصاد الدولى بشكل عام بسبب تأثيرها على الثقة فى الدولار والاقتصاد الأمريكى، فعندما يكون هناك شك فى قدرة الحكومة الأمريكية على تغطية المدفوعات الخاصة بها والديون؛ فسيؤدى ذلك إلى تخلف الثقة فى الدولار داخل الأسواق الدولية، كما يمكن أن تؤدى أزمة سقف الدَّيْن إلى زيادة تكاليف الائتمان والفئة المتوسطة من المدفوعات، وذلك يؤدى إلى تدنى النمو الاقتصادى وزيادة البطالة لذلك، تأثير أزمة سقف الدَّيْن الأمريكية يمكن أن تؤدى إلى تأثيرات عالمية على الاقتصاد والمالية والمصارف وغيرها من القطاعات.