الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 فى ذكراه: الأبنودى.. وموال النهار

فى ذكراه: الأبنودى.. وموال النهار

جاء «عبدالرحمن الأبنودى» ذلك الشاب الاسمر اليافع حاملًا معه خصب النهر العظيم ومحولًا طميه بأشعاره الجميلة إلى أزهار وورود.. ويحن إلى العودة إليها بمجرد رحيله عنها، فهو يراها جميلة رغم أن بيوتها لون التراب والوشوش لون التراب.. لكنها لا ترتدى الأقنعة ولا تتلون مثل المدينة (يا بلدنا أحلى ما فيكى أن ثوبك هو نفسه).



كان الأبنودى يعمل كاتبًا بمحكمة قنا الابتدائية.. جاء إلى القاهرة على أثر نشر صلاح جاهين قصيدته العامية «الطريق والأصحاب» فى مجلة صباح الخير فى زاوية بعنوان «شاعر جديد يعجبنى» التى كان يشرف عليها، وكان «عبدالرحمن» قد أرسلها له بالبريد فى أوائل الستينات من القرن الماضى.. وفيها يقارن بين عالم القرية وعالم المدينة ويصف تلك المدينة المتوحشة (بتاكل فى طريقها كل حاجة/ كل حاجة/ بياعين/ كل ناسها بياعين/ بصة الناس.. المودة.. بسمة الحب بتمن)، وكان موقف صلاح جاهين بتشجيعه لعبدالرحمن الأبنودى يشى بتلك الروح النبيلة الطيبة – والتى كانت سائدة– من إحساس الكبار بواجبهم ومسئوليتهم تجاه المبدعين الشباب ورغبتهم الصادقة فى إقامة علاقة معهم ومع القراء وفى سعيهم الدءوب المخلص لتحقيق نوع من تواصل الأجيال.

وبالفعل فما هى إلا سنوات قليلة حتى صار الأبنودى شاعرًا كبيرًا يملأ الدنيا أشعارًا وأغنيات عذبة وفريدة.. وحينما حلت الهزيمة (1967) أظلمت الدنيا فى وجه صلاح جاهين الذى تغنى ومعه «عبدالحليم حافظ» بأحلام ثورة عظيمة فى العدالة اجتماعية وكرامة إنسانية وانتصارات قومية واشتراكية عميمة ورخاء شامل وفنون راقية (أوبرا وتماثيل رخام على الترعة).

ونهش الفنان الكبير ذاته بقسوة وسادية.. وحمل نفسه مسئولية ضياع الأرض وسرقة الوطن.. وخداع الجماهير، فتقوقع فى غياهب الاكتئاب يعانى من ألم ومرارة ضياع الأمل.. لكن «عبدالحليم» قرر أن يتجاوز الاكتئاب ويغنى لأمل بعيد المنال عسير التحقق.. وأحس أن الأبنودى يحمل إصرار فأس يضرب فى أرض مريضة على استرداد عافيتها وعودة اخضرارها، سوف يتعانق مع ذلك الأمل المستحيل ويتغنى به.. وفى تحد عظيم انطلق قلم الأبنودى.. وكتب «عدى النهار» التى لحنها «بليغ حمدى» ورأى فيها أنه رغم أن الليالى خالية من القمر لأن العدو الكريه أراد لنا أن «نتوه فى السكة» إلا أن العتمة لن تنسينا الصباح «أبو شمس بتنشر الحنين فى بلدنا للنهار.. بتحب موال النهار».

وفى قصيدة «الاسم المشطوب» والتى يقول أنه كتبها أثناء علاجه فى مستشفى فى «باريس» وهو يعانى من عدم القدرة على امتلاك قواه بالكفاءة التى تسمح بوعى فى حجم القصيدة.. لكن الحاج «عبدالعاطى صائد الدبابات» ومحاصرة صورته له فى ليلة بعد ليلة أجبره على كتابة القصيدة على مناديل ورقية ونسيها حتى فوجئ بها بعد عودته وقد نشرت فى «المصرى اليوم».