الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
صوابى يحتمل الخطأ.. وخطؤك يحتمل الصواب

صوابى يحتمل الخطأ.. وخطؤك يحتمل الصواب

أزمة هذا الزمان تكمن فى النزعة الغالبة على الكثيرين بأنهم وحدهم هم من يعرفون الحقيقة، أو أنهم وحدهم على صواب، فهم الوحيدون أصحاب الأخلاق الحميدة وهم دون غيرهم من يملكون مفاتيح الخلاص ولا سواهم من يعرف مواطن ما يدور وما يجرى وما سيكون عليه الزمان من بعد.



شعور بالفوقية نابع لدى البعض من نظرتهم الذاتية اما لعرقهم أو لدينهم أو لوطنهم، فالحقيقة فى تقديرهم ميزة لا ينعم بها إلا من تميز بما تميزوا به هم، فعرقهم الصافى كفل لهم أن يعرفوا أن الكمال البشرى يتشكل فى صفات لا يملكها إلا صاحب ذلك العرق، والوصول للنعيم البشرى لا يكون إلا باتباع مسار ارتضاه لنفسه، تعيس من ارتضى بمسلك آخر، أما الولاء فلا يتجلى إلا بعبارات وتجليات صورية ولفظية سطرها شاعر فطحل كسب بكلماته ثناء التاريخ.

ولكن لماذا نجد أن نتاج أى حضارة فى الأساس نابع من تراكم معارف حضارات وأعراق وأقوام أخرى، هل كان سيبقى العلم ليتوارثه الأجيال لولا اختراع الصينيين للورق، وهل كان وصول الغرب للقمر أن يتم لولا أرضية رياضية وضعها قدماء اليونان، وهل كانت لتتنوع الأفكار وآليات التفكير ويسود المنطق لولا ترجمات المسلمين لفلاسفة العصور العظماء، هل كان العالم اليوم هو ذاته لولا حضارة المايا ومصر القديمة وسومر!

قد يتفاجأ البعض وقد لا يتفاجأ إن علم أن معظم الأديان اليوم تتشابه فى كثير من أوجهها، فالقيم والمبادئ التى تدعو لها هى ذاتها فى جميعها، فالعدل والسعادة والتعاون والعطف والمحبة كلها مشتركات بينها، وقد لا يكون مستغربًا لمن بحث أن يكتشف أن كثيرًا من القصص التى تروى فى معظم تلك الأديان تتشابه، فالتاريخ الإنسانى الحقيقى واحد، قد تختلف التفاصيل لتمييز كل دين عن الآخر إلا أن الوقائع هى ذاتها.

ورغم الاتفاق بينها فى ذلك إلا أنها تختلف فى تحديد مسألة الصواب والخطأ وهنا تكمن إشكالية التمييز والتفرد والفوقية المعرفية وإقصاء الآخر، فكيف يعرف الإنسان أن الصواب صواب وكيف يعرف أن الخطأ خطأ، الإجابة ببساطة تكمن فى اعتماده على استرجاع وترديد من قيل له أنه صواب وأنه خطأ، البعض يردد دون وعى ويفضل أن ينساق مع الجموع لكى لا يظهر شاذًا بينهم، والبعض الآخر مقتنع تمامًا بما قيل فيردده بثقة مطلقة، ولكن كيف لهذا الشخص أن يقنع آخر لا يشاطره الرأى بأن الصواب صواب والخطأ خطأ إن هو اعتمد فى محاولة إقناعه على ترديد ما قيل له، فقد لا يكون الرأى مقنعًا للآخر مهما بدى مقنعًا لصاحبه، وهنا تظهر الإشكالية بأن الخطأ والصواب إن نحن جردناهما من الأحكام المسبقة غير المتفق عليها يبقى الصواب يحتمل الخطأ والخطأ يحتمل الصواب، وعليه فالقول بمعرفة حقيقة الصواب ليس إلا ضربا من القناعة الذاتية غير مثبتة.

أزمة هذا العالم ببساطة أنه إقصائى، الكل يدعى أنه يحمل فى جعبته طريق الخلاص والكمال، وحده هو الشريف فى عالم من الأوغاد، فى وقت لو فكرنا قليلًا بتجرد سنكتشف أننا جميعا الاثنان معًا، ليس فينا واحد لم يقترف الخطأ ولم يظل السبيل، ليس فينا واحد كامل كما أن ليس فينا أحد ناقص بسبب عرقه أو دينه أو وطنه، ليس فينا واحد يملك الحقيقة وليس فينا واحد ضمن طريق الخلاص وليس هناك أى أحد منا مهما يحمل من قناعة وثقة ضمن أنه بالفعل على الطريق الصحيح لتحقيق سعادته، فكم من مدعى سعادة لا يعرف معانى التعاون والعطف والمحبة، يعيش الوهم لوحده فى حين كل من حوله يعرف مدى تعاسته.

طفل معدم فى أدغال أفريقيا أو عشوائيات آسيا أو أمريكا اللاتينية قد يكون أسعد وأعدل وأكثر إنسانية وشعورًا بالمحبة والعطف على الغير من خريج جامعة مرموقة يشغل وظيفة مهمة ولديه أسرة متماسكة ويعيش فى دولة متقدمة ومؤمن إيمانًا عميقًا بقناعاته، فمن منهما يملك الحقيقة والرأى الصواب، وإن كنت تعتقد عزيزى القارئ أن هناك إجابة قاطعة بإما صح أو خطأ فأنت ربما أصبت وربما تكون على خطأ، فالمسألة نسبية.