الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 التنكيت والتبكيت

التنكيت والتبكيت

يعتبر عنصر التناقض أو «المفارقة» هو أحد العناصر المهمة إن لم يكن أهمها على الإطلاق فى تفجير الضحك فى أشكال الفنون المختلفة.. ومن ثم تأثيرها على المتلقى فى إشاعة جو من المرح والبهجة يؤثر فى أحواله المزاجية.. ولعل عبارة عبدالله النديم «التنكيت والتبكيت» أى التهكم أو السخرية واللوم يعبران عن تلك الازدواجية أو هذا التناقض الذى يسعى إلى التغيير هو الهدف الأساسى والأسمى للدراما الكوميدية.. وإذا كان فن الكاريكاتير هو أحد الفنون التى تنتمى إلى الكوميديا بأشكالها المختلفة الانتقادية.. كوميديا النقد الاجتماعى والسياسى والكوميديا السوداء التى تجمع بين الكوميديا والتراجيديا وكوميديا الفكرة والموضوع والشخصية.. فإن كاريكاتير الفنان الكبير «حجازى» كمثال يقوم على تلك المفارقة.. وتعنى بالتناقض بين سلوكين أو فعلين يحدثان نوعًا من الدهشة أو اللا معقولية فى المعنى أو الاتجاه أو المضمون أو العواطف كالحزن والسعادة.. مثال ذلك: رسم يمثل صحفيًا يتصل بأحد المسئولين بالتليفون مرددًا: «ألو من فضلك عاوز أعرف رأيى إيه انهاردة عشان أكتبه».. والتناقض هنا أنه يريد أن يعرف رأى المسئول لا رأيه هو.. والهدف لاذع ومرير يفجر الضحك والسخرية من الأوضاع السياسية لكنه أيضًا يفجر الحزن والسخط بسبب ما آلت إليه هذه الأوضاع.



كاريكاتير آخر يرسم فيه طفلين بائسين يجلسان بجوار صندوق قمامة على رصيف شارع ويرتديان ملابس بالية ممزقة وأحدهما يقول للآخر «النهارة عيد الطفولة.. كل عام وإحنا مش بخير».. والتناقض هنا هو حالتهما المزرية فى مناسبة احتفال سعيد.. بينما هما يعيشان فى بؤس وشقاء لا يدعو إلى الفرحة بل إلى الحزن والإحساس بالتعاسة.. والتناقض هنا أيضًا قائم على الظلم الاجتماعى الواقع عليهما.. والمتمثل فى أن الفرح والسعادة يخصان أطفالًا آخرين فى إشارة إلى مجتمع يعانى من فوارق طبقية واضحة.

كاريكاتير ثالث لأطفال جالسين حول طبلية فى منزل فقير مع والدهم ووالدتهم.. والطبلية خالية من الطعام.. بينما راديو ترانزيستور موضوع عليها ينبعث منه تصريح من أحد المسئولين.. والأب ينصحهم قائلًا: «يا أولاد لما تسمعوا تصريحات المسئولين فكروا فى الوطن.. عيب تفكروا فى الأكل».. والمفارقة هنا تتمثل أيضًا فى الظلم الاجتماعى الذى يتناقض مع شعارات مثل «ماتقولش إيه اديتنا مصر.. قول هاندى إيه لمصر»..

أما الإجابة عن السؤال المتكرر: لماذا نضبت الضحكة وندرت الابتسامة الآن؛ فإن حجازى الرائع أجاب عنه بسلوكه الشخصى حينما توقف فجأة عن الإبداع.. وعاد إلى مسقط رأسه بطنطا هاجرًا القاهرة ليرسم بانوراما كاريكاتورية للإنسان المصرى عبر مسيرة رائعة امتدت لقرابة خمسين عامًا من الإبداع المنفرد.

لقد أدرك هذا الفنان العبقرى أن مفارقات الواقع المعيش أصبحت تفوق هولها وغرابتها ولا معقوليتها وعبثها وتطرفها الجنونى مئات المرات، تلك التى اعتصر فيها ذهنه واستدعى خياله.. واستحضر إلهامه وموهبته الفياضة فى رسمها وتجسيدها.