الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. النيابة العامة انحازت بشجاعة لحقوق الطفل  عودة «شنودة» إلى أسرته..  انتصار للإنسان

حقك.. النيابة العامة انحازت بشجاعة لحقوق الطفل عودة «شنودة» إلى أسرته.. انتصار للإنسان

جاء قرارُ النيابة العامة بإعادة الطفل «شنودة» إلى أسرته ليعالج ثغرة فى القانون سمحت بوضع الطفل فى دار رعاية حتى تنتهى قضية نَسَبه، وهو أمرٌ كان ينتهك حقًا كفله له الدستورُ والمعاهدات التى وقّعت عليها مصر وتنص على بقاء الطفل مجهول النّسَب مع الأسرة التى قامت بتبنّيه لأنه بقاءه مع أسرته يحقق مصلحته الفُضلى لا وجوده فى دار رعاية.



 

مَثلت تلك القضية تحديًا حقوقيًا وقضائيًا لما أحاط بها من تفاصيل تخص ديانة الطفل دون النظر إلى مصلحته الشخصية كطفل يحتاج إلى الرعاية والاهتمام أكثر من أى شىء آخر، ولن تتحقق الرعاية والاهتمام إلا بوجوده مع أسرته وليس فى دار رعاية.

وكان التركيزُ على جزئية ديانة الطفل تعقيدًا لقضية إنسانية بالأساس وكادت أن تحولها من قضية إنسانية إلى قضية دينية تشغل الرأى العام دون داعٍ رُغْمَ أن الموضوع إنسانى بحت لطفل لم يتخطّ الخامسة من عمره يبحث عن الأمان والرعاية قبل أى شىء آخر.

ومَثلت القضية تحديًا حقوقيًا، فالقانون أقر بوضعه فى دار رعاية باعتباره مجهول النسب ثم ظهر مَن يتحدث عن الديانة بما أن الأسرة مسيحية وهى مَن عثرت عليه، والحقيقة أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء نزعا فتيل تحويل القضية من إنسانية إلى دينية.

وأصدر الأزهر الشريف فتوَى حول ديانة الطفل عبر مركز الأزهر العالمى للفتوَى الإلكترونية قالت فيها إن فى هذه المسألة ذهب العلماءُ إلى آراء متعددة، والذى يميل إليه الأزهر من بين هذه الآراء هو ما ذهب إليه فريقٌ من السادة الحنفية، وهو أن الطفل اللقيط إذا وُجد فى كنيسة وكان الواجدُ غير مسلم فهو على دين مَن وَجَدَه.

هذا ما نَصّ عليه السادة الحنفية فى كتبهم: «وإن وُجد فى قرية من قرَى أهل الذمة أو فى بيعة أو كنيسة كان ذميًّا» (وهذا الجواب فيما إذا كان الواجد ذميًا رواية واحدة).

ثم جاء فى منطوق قرار نيابة شمال القاهرة الكلية؛ بأنها استطلعت رأى فضيلة مفتى الجمهورية أيضًا فى ديانة الطفل على ضوء ملابسات التحقيق، وأصدر فتوَى بأن الطفل يتبع ديانة الأسرة المسيحية التى وجدته وفْق آراء فقهية مفصلة.  

وعلى إثر ذلك تحركت النيابة لتضع «شنودة» فى مكانه الصحيح وتحسم الجدل بتسليمه مؤقتًا إلى السيدة آمال إبراهيم التى عثرت عليه كعائل مؤتمن بعد أن أخذت تعهدًا عليها بحُسن رعايته والمحافظة عليه وعدم تعريضه للخطر، وكلفتها باستكمال إجراءات كفالته وفقًا لنظام الأسَر البديلة.

وخاطبت النيابة وزارة التضامن الاجتماعى للنظر فى الطلب المقدم من الأسرة التى عثرت على الطفل لاستلامه وفقًا لأحكام قانون الطفل ولائحته التنفيذية، بنظام الأسَر البديلة، ثم كلفت النيابة العامة خَط نجدة الطفل بالمجلس القومى للأمومة والطفولة باتخاذ الإجراءات القانونية نحو إعادة تسمية الطفل باسم رباعى اعتبارى مسيحى لأب وأم اعتباريين مسيحيين فى ضوء ما انتهت إليه التحقيقات والتى تضمنت فتوَى مفتى الجمهورية بتبعية الطفل لديانة الأشخاص الذين عثروا عليه.

وينص قانون الطفل على عدة اشتراطات لا بُدّ من توافرها فى أى أسرة بديلة كى تتم الموافقة على طلبها بتبنّى طفل، وتتضمّن «أن تكون ديانة الأسرة من نفس ديانة الطفل وأن تقدم الأسرة صحيفة الحالة الجنائية دوريًا للجهة المختصة، وأن توفر البيئة الصالحة لرعاية الطفل، وأن تكون قادرة على الإنفاق عليه»، وهو ما يفسر صدور قرار النيابة بصيغة المؤقت حتى تنتهى الأسرة من تقديم أوراقها؛ حيث إن الاشتراطات تستغرق شهرين أو أكثر لتقديم الأوراق التى تفيد باستيفاء الأسرة لها، ولذلك قررت النيابة بشكل إنسانى عاجل ومؤقت تسليم الطفل للأسرة التى عثرت عليه لحين استيفاء باقى الاشتراطات؛ حيث إن القرار لا يعنى أن الطفل أصبح ابنًا لهذه الأسرة؛ ولكنها أصبحت تقوم على رعايته تحت إشراف السُّلطات.

والحقيقة؛ أن القضية كانت قد أثارت حفيظة المؤسّسات الحقوقية ومن بينها المجلس القومى لحقوق الإنسان والتى اتخذ قرارًا بإجماع أعضائه بالتضامُن مع أسرته وبحث التحرك القضائى مع محامى الأسرة باعتبار القضية حقوقية، كما رفض المجلس إيداعه لإحدى دور الرعاية واعتبرت ذلك انتهاكًا ضد حقه فى التواجُد مع أسرة ترعاه أفضل من التواجُد فى دور للرعاية لن يجد فيها الاهتمام والعناية اللذين توفرهما أسرته البديلة.

وقد أصدر المجلس بيانًا رسميًا فى يناير الماضى عقب تفجُّر القضية دعا فيه إلى ضرورة عودة الطفل «شنودة» إلى أسرته، وبناءً على ما جاء باختصاص المجلس فى نص الفقرة 17 من المادة 3 بقانون المجلس رقم 197 لسنة 2017 بتكليف اللجنة التشريعية بالمجلس، بالنظر فى كيفية التدخل فى الدعوَى القضائية وفقًا لأحكام القوانين المنظمة لذلك، ودراسة واقتراح ما يلزم من تعديلات تشريعية وإجرائية لرفعها للجهات البرلمانية والحكومية المَعنية، فضلاً عن التواصُل والتنسيق مع جميع الأطراف المَعنية حتى تنتهى تلك القضية بما يضمن المصلحة الفضلى لشنودة، وهى العودة مرّة أخرى إلى أسرته؛ حيث إن حق الطفل فى هذه المرحلة العمرية المبكرة هو الحياة فى كنف أسرة وليس فى دور رعاية.

ناشد المجلسُ جميعَ الجهات القضائية التى تنظر القضية ووزارة التضامن الاجتماعى ضمان أن المصلحة الفضلى للطفل هى الاعتبار الأسمَى فى كل القرارات المؤثرة على الطفل وفق الدستور وقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، وإرجاعه للأسرة التى كان يعيش فى كنفها لحين الفصل فى الدعوَى المنظورة.

قالت السفيرة مشيرة خطاب رئيسة المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن انتزاع الطفل من أسرته التى كان يعيش فى كنفها للسنوات الخمس الأولى من عمره وإيداعه فى دار إيواء هو أمرٌ ينافى نص وفلسفة المادة 80 من الدستور ويتعارض مع فلسفة وجوهر قانون الطفل واتفاقية حقوق الطفل والمعايير الدنيا لحقوق الطفل.

أكد المجلسُ أن الطابع الإنسانى لتلك الحالة يفرض علينا التحرك لمصلحة الطفل لضمان حقوقه وإعمال مبادئ الرحمة إلى حين الفصل فى القضية المعروضة والتى يجب ألاّ تكون عائقًا أمام تمتع الطفل بالعيش الكريم فى كنف الأسرة التى تربّى فى أحضانها طيلة خمس سنوات كاملة.

لقد انتصر قرارُ النيابة العامة لحقوق الإنسان، وحافظ على إنسانية القضية دون الخوض فى تفاصيل شخصية ودينية اقتحمت القضية عنوة وكادت أن تؤثر بالسلب على طفل لا يعى كل ما يجرى حوله، وحوَّل حياة أسرته البديلة إلى جحيم وهى لا تستحق كل ذلك فهى قررت بمحض إرادتها أن تكون أسرته البديلة وأن تهتم بشئونه وترعاه، وهو أمرٌ إنسانىٌ فى المقام الأول ولا يحتمل أن يحوّله البعض إلى قضية طائفية فى بلد يحترم حرية العقيدة ويحرص على المواطنة وتماسُك شعبه بكل تنوُّعه.

فى قضية «شنودة» دروسٌ مهمة يجب على المجتمع استيعابها؛ أولاً أن القانون يجب أن يعالج الثغرة إلى أبعدت «شنودة» عن عائلته البديلة، الأمرُ الآخر احترام حقوق الطفل وأنها حقوق إنسانية يجب احترامُها وصيانتها والبحث دائمًا عن المصلحة الفضلى للطفل وأنه لا ذنب له فى ثغرات القانون أو تعقيدات الحياة.