الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى آفة حارتنا   «التطفل»

فى آفة حارتنا «التطفل»

 كنتُ وأنا لا أزال فى بداية مشوارى الفنّى.. أجلسُ فى حضرة الفنان الكبير «فريد شوقى» فى حُجرة مكتبه الصغير بفيلّته بالمهندسين أحلم معه بتجسيد فكرة برّاقة لمسلسل تليفزيونى واتته عفو اللحظة والخاطر وتحمّس لها حماسًا كبيرًا.. وشرعنا فى مناقشة البناء الدرامى.. ورسْم الشخصيات وكيفية إنشاء الصراع الدرامى (الخارجى والداخلى) تمهيدًا لتصاعُد الأحداث حتى ذروتها.. وإذا بشاب أنيق يدخل علينا ممسكًا بحقيبة سامسونايت فاخرة.. قدّمنى له «المَلك» (كما كنا دائمًا نناديه) باعتباره مهندس إلكترونيات عتيدًا جاء لإصلاح أحد تليفونات مكتبه المعطلة.. شرع فى صمت وثقة فى مباشرة عمله بينما استغرقتُ مع «المَلك» فى مناقشة أبعاد الشخصية الدرامية الاجتماعية والنفسية والجسدية.. ولمّا طال الوقت لعدة ساعات ولم يتمكن الشابُّ من اكتشاف بيت الداء.. وتم فشله فى إصلاح العطل.. بل إنه تسبب فى عُطل بقية تليفونات الفيللا؛ بادره «المَلك» وهو يحاول أن يكظم جماح غضبه وسخطه: سوف أحكى لك موقفًا حدث معى.. واستدرك موضحًا: أرسل لى منتج سيناريو فيلمًا رشحنى أن ألعب دور البطولة به.. وطلب منّى قراءته وإبداء الرأى.. أمهلته أسبوعًا ولمّا عاودنى قلت له إن السيناريو رائع.. والشخصية مدهشة.. انفرجت أساريره بسعادة غامرة وقال لى: إذن أوقّع العَقد معك فورًا.. لكنى رفضت فأصيب بدهشة بالغة وسألنى عن السبب فقلت له إن «عادل أدهم» يستطيع تجسيد الشخصية ببراعة أكثر منّى.. عليك بالاتفاق معه.. ثم ما لبث «المَلك» أن واجه الشاب مرددًا.. لا تتطفل على مهنة لستَ أهلًا لها.. وقام بطرده.



ناقشتُ فى مقال سابق نقيصة التطفل أو التدخل المعيب فى شئون الآخرين.. وهى نقيصة تمثل سلبية من سلبيات الشخصية المصرية الشائعة والمتكررة فى سلوك الكثير من العامّة.. لكن هذه النقائص تفاقمت واتسعت دائرتها لتحتوى على مرادفات متعددة ذميمة.. أرَى أن من أهم مظاهرها ما أتعرّض له فى هذا المقال والخاص بالتطفل بادعاء المعرفة أو ادعاء ممارسة مهن أو أنشطة لا تتفق مع مهارات وقدرات أو دراسات أو شهادات.. ومنها المثال السابق.

والحقيقة؛ أن هؤلاء المدّعين قد توغلوا وتفشّوا كالوباء فى جميع المجالات والمهن والأنشطة بتبجح وصفاقة وبلطجة وابتزاز.. ففى المجال الرياضى مثلاً يبرز مدرب كرة القدم الفاشل الذى يعج تاريخه بالهزائم المتتالية مع كل الفرق الرياضية التى تولى تدريبها ولم يحصد معهم أى بطولة؛ بل إنه دائم التعثر فى قاع الجدول ومهدد دائمًا بهبوط فريقه ويبرر فشله بظلم الحُكام وانحيازهم للمنافسين وتواطؤ أعضاء اتحاد الكرة والتآمر ضده والمنافسة غير الشريفة للأندية الأخرى له.. الذين يتفوّقون بضربات الحَظ أو استخدام السحر السُّفلى.. إنه التطفل على المهنة.. متسلحًا بسوء الحَظ.. وبارانويا الاضطهاد.

مثال ثالث: مقدمة البرامج التليفزيونية التى تستضيف نجمًا أو نجمة سينمائية وتسعى بإلحاح واستدراج إلى النبش عن الأسرار الخاصة المتصلة بسلوكه أو سلوكها الشخصى وتروّج للشائعات وتخوض فى تفاصيل تافهة ونميمة رخيصة وتثأثأ وتفأفأ وتتهته وتضحك فى بلاهة.. وتجهل جهلاً فاضحًا أبجديات اللغة العربية.

إنها المتطفلة على موائد إعلام «السَّداح مَداح».