الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى رثاء  لغتنا الجميلة

فى رثاء لغتنا الجميلة

فى مقدمة كتابها المهم الجديد «الحرف الشريف» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب تتغزل الأديبة والكاتبة الصحفية الرقيقة المرموقة «سناء البيسى» فى احتفاء جميل وعذوبة ورشاقة وبلاغة آسرة وأخاذة فى جمال لغتنا العربية الفصيحة وإيحاءاتها المدهشة وتركيباتها الملهمة ومرادفاتها الغزيرة وأسرارها العميقة وحكمتها وفلسفتها المتعددة الأبعاد والمضامين فتقول: «عندما يعانق القلم الأوراق.. تتفتح الأبواب التى أظنها موصدة.. ويملى الإلهام الذى أظنه مسافرًا.. ويتسيد الموضوع الذى ظننته غائمًا.. ويحضر الغائب ليقيم فيقيم الحَرف ويقعده.. وتقتلع العزيمة النباتات المتسلقة ويجر الوصف شقيقته.. والجُملة مرادفتها.. والتعبير دروبه والتفاصيل حدودها.. والمقتبس مصدره والذكريات شخوصها والأماكن أركانها والإيجاز دقته والسرد وقفاته.. والنقاط موضعها والإعجاب رونقه.. والتعبير سلاسته والتكرار موضعه.. والدهشة واجبه والحَرف فى مرتبة الشرف.. وفى العادى لا بُدّ من جديد قشيب.. البداية بدقات مسرحها.. والنهاية كما لم أعد مسبقًا تأتينى ومضة على طرف القلم».



وأضيف أنا مُكملًا مُجاريًا عباراتها الفياضة بالرونق والبهاء اللغوى.. وللبيان روعته.. والبديع رشاقته.. والجناس رنينه.. والطباق إيقاعه.. والاستهلال براعته.. والاستثناء تفرده.. والشخوص تجسُّدها.. والسَّبْك جَماله.. الحَبْك حذقه.. والمنطق سطوعه.. واليقين جلاله.. وأفعل التفضيل شموخه ورفعته.. والواقع دلالاته.. والخيال سحره وإلهامه.. والفنون فتنتها الخلاقة.. والمبتدأ بمبادراته الموحية الألمعية.. والخبر بتوكيده الواثق وثباته.. وعلامة الاستفهام بضرورتها أو حيرتها.. وعلامة التعجب بدهشتها أو استنكارها.. والحوار ببلاغته وصراعاته.

وإذا كانت «سناء البيسى» فى مؤلفها تقيم عُرسًا بهيجًا وخلابًا للفصحَى بحروفها وكلماتها وعباراتها وبيانها وبديعها؛ فهى تنعى زمننا الضنين الذى تراجَع فيه احترامنا للغة فلم يعد المواطن المصرى يشعر بقيمته إذا ما تكلم لغته.. بينما يستعيد شخصيته إذا ما نطق بالإنجليزية.. لغته وحدها أصبحت تشعره بالعار والدونية وسط الجماعة المتعاملة بالإنجليزية.. وفى بلدنا توزن ثقافة المرء وأهميته بقدر صحة نطقه وكتابته الإنجليزية.. حتى الطبيب أصبح يشرح المرض ويصف الدواء للمريض القادم بعبله من الأرياف بالإنجليزية ليس لكى أرتقى أن أدوس على لغتى وأتعلق بأذيال لغة أخرى؛ لكن المهزوم دائمًا مولع بتقليد الغرب .. ونحن عندما انهزمنا حضاريًا انهزمنا أيضًا لغويًا.

والحقيقة أن لغتنا التى تبكى وتنتحب لأننا أصبحنا- بموجب تعبير المؤلفة- نشيّد لجثمانها هرمًا فى زمن ينأى بنفسه عن القراءة.. وتتحول فيه الأقلام يومًا بعد يوم إلى سلعة كمالية لا رغبة لأحد فيها.. ويتحول المثقفون إلى طبقة معزولة لا حول لها ولا قوة.

وبناءً عليه؛ فقد تفشت العامية وأصبحت هى لغة كثير من الصحفيين ومقدمى البرامج التليفزيونية؛ وبخاصة البرامج الرياضية ووسائل التواصل الاجتماعى المختلفة؛ بل مؤلفات الروائيين.. أمّا رجُل الشارع فإنه الآن يتحدث ويتعامل بلغة بديلة جديدة هى مزيج من الإسفاف والانحطاط اللغوى والتدنى الأخلاقى والفجاجة والرخص فى التعبير.