الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الضاحك  الباكى

الضاحك الباكى

 «كنت سأهديه لها.. ولكن أين هى؟!.. لقد تجسدت فى خيالى ملاكاً.. ثم تبخرت فلن أهديه لأحد».



العبارة السابقة تصدرت تحت عنوان «إهداء» كتاب فكرى بك أباظة (1896 – 1979) «الضاحك الباكى» قاصداً به محبوبة متخيلة لا وجود حقيقى لها فى إطار من السخرية والطرافة.. تعكس بجلاء عذوبة أسلوبه المميز فى التعبير الذى يشمل كل محتوى الكتاب فى مزيج مدهش من التهكم المر.. والأضاحيك الصافية من مفارقات الواقع.. ومخزون خبراته الحياتية العامرة بالتجارب الإنسانية والعلاقات العاطفية والتأملات الفلسفية والاهتمامات المتنوعة فى رصد أحداث تاريخية وخواطر نفسية.. وقضايا سياسية واجتماعية يسردها بجرأة وجسارة عارمة وصدق طاغٍ.. وفصاحة آسرة وبلاغة أنيقة.. وثقة غامرة لا تتجمل أو فى تأويل أو ذرة من شبهة مقصد إلا الحق.. لذلك فقد كانت مقدمة الكتاب هى: «كل ما فى هذا الكتاب قد وقع فاقرأوه على أنه حقيقة.. ولا تقرأوه إذا ظننتم أنه خيال» بتوقيع فكرى أباظة المحامى..

فى مؤلفه «الضاحك الباكى» يذكر «فكرى بك» بأسلوبه اللاذع طفولته أنه ولد لا يصرخ ولا يبكى.. فاندلع الجزع والخوف فى الدوار وتوافد من القرى المعزون لا المهنئون.. تلدغ إحداهن الطفل بإبرة فلا يتوجع.. وتصيح الداية: ده مش بنى آدم ده عفريت.. وينمو العفريت عابراً زمن الولادة للفطام لا يعرف البكاء.. وكان ترتيبه الرابع بين سبعة أشقاء فكان فريسة لشقاوة أشقائه الكبار لتظل فى جسمه طوال حياته آثار السحجات والخربشات والعاهات الصغيرة المزمنة.. لا يشكو ولا ينتقم.. لا ينعم بحنين أو عطف أو حب خاص إلا أنه كان مجرد شىء لا بد من تربيته والسلام.

وكبر الطفل حتى صار علماً بارزًا فى تاريخ مصر الحديث.. ومن أبرز رواد الصحافة المصرية.. وأول من شغل منصب نقيب الصحفيين.. بدأ العمل الصحفى بصحيفة «المؤيد» ثم «الأهرام» ثم عمل محرراً فى مجلة المصور (1924) وأصبح رئيساً لتحريرها حتى عام (1961) وانضم للحزب الوطنى المصرى (1922).. وقد كان من مناضلى الحركة الوطنية المصرية ومن خطباء ثورة (1919).. وانتخب عضواً بمجلس النواب لعام (1923) وتكرر انتخابه لعضوية المجلس فى عدة دورات أخرى.. واعتذر عن قبول منصب الوزير لثلاث مرات.. وأول صحفى يحصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى.. وأحد الإعلاميين الستة الذين وجهت إليهم الدعوة من «هتلر» ليحصل على ميدالية أولمبياد (1933).

تكتب القديرة «سناء البيسى» عنه فى كتابها البديع الأخير «الحرف الشريف» أنه الباشا المثقف الذى عرف قيمة الميديا الإعلامية بمختلف توجهاتها مقتنعاً بأن الحديث الإذاعى الجماهيرى – ولم يكن هناك التليفزيون بعد– يساوى ألف مقال.. فأصبح فكرى أباظة أعظم مذيع عرفته مصر.. إنه أيضاً الأديب والكاتب الصحفى الذى رأى أن الكتابة عمل انقلابى ضد الظلم والتخلف والجهل.. إنه صاحب الكلمة المدببة الناقدة وليست الكلمة المبطنة فى خضم الكلام الساكت السائد.. صاحب القلم الساخر ليس بكونه صاحب النكتة والقفشة، لكنها السخرية الحبلى بالنقد الاجتماعى البنّاء.