الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان جهد وطنى يحتاج لدعم (2-1) الإعلام وحقوق الإنسان.. التأثير المطلوب

حقك.. الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان جهد وطنى يحتاج لدعم (2-1) الإعلام وحقوق الإنسان.. التأثير المطلوب

العلاقة بين وسائل الإعلام وبين مبادئ وثقافة حقوق الإنسان علاقة جدلية، أى أنها علاقة تأثير وتأثر متبادل، فلا يمكن تصور وجود إعلام حر يتمتع بالمصداقية والشفافية والموضوعية إذ غابت مبادئ وقيم واحترام حقوق الإنسان، ولذلك للإعلام بوسائله المختلفة دور مؤثر وحيوي فى إشاعة ونشر قيم ومبادئ حقوق الإنسان وغرسها فى المجتمع.



 

الغريب أن كثيرًا من الندوات الحقوقية التى تناقش دور الإعلام فى نشر ثقافة حقوق الإنسان لا تتطرق أبدًا لما هو مهنى أو حقوقى، وإنما تصب تركيزها على فرض موقف سياسى أو أيدولوجى معين على الحاضرين بما لا يخدم قضايا حقوق الإنسان أو أى جهد يبذل فيها.

بل ولا يتوقفون أمام أهمية وجود خطة وطنية خالصة مثل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وما وضعته بنودها من التزامات على الدولة المصرية لتحقيقها خلال خمس سنوات، ولا الجهد المبذول فى مشروع حياة كريمة أو جهد المجتمع المدنى فى التحالف الوطنى للعمل الأهلى ولا حتى الإنجاز الكبير الذى حققته لجنه العفو الرئاسى فى الإفراج عن المحبوسين وجهود الدمج والتأهيل التى تقوم بها تنسيقية شباب الأحزاب، بل ويتجاهلون اهتمام الحوار الوطنى بقضايا حقوق الإنسان الملحة مثل الحبس الاحتياطى وتجريم التعذيب وغيرها من القضايا التى أجمعت عليها المؤسسات الحقوقية.

قاعدة النزاهة تقول أن تذكر التحديات بجوار الإنجاز المتحقق حتى يمكن البناء على ما تحقق لا الارتداد إلى الخلف وترديد نفس الأكليشيهات القديمة بصياغة جديدة. 

ناهيك عن تطرق بعض النقاشات لقضايا خلافية لا تصلح لكل المجتمعات وهو ما يضع النقاش داخل حلقة مفرغة لا تضيف أى مضمون ذي قيمة لما هو المفروض أن يقدمه الإعلام لقضية مهمة مثل حقوق الإنسان.

وحتى نكون عمليين يمكننا أن نضع عددًا من المحاور لصنع قناة اتصال بين الإعلام وحقوق الإنسان بما يخدم أوضاع الحقوق والحريات فى أى مجتمع. أتصور أن على رأس تلك الأولويات الدفاع عن حرية الرأى والتعبير وإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر والانفتاح على كل الأصوات فى المجتمع وقبول الآخر وذلك فى بيئة إعلامية تقدس قيمة النزاهة والشفافية وتتمسك بمواثيق الشرف الصحفية.

لقد اتفقت الاتفاقيات الدولية الحقوقية على أن لوسائل الإعلام دورًا تعليمىًا مهمًا من خلال النشر عن قضايا حقوق الإنسان، كما تشكل الرأى العام نحو هذه الحقوق، كما تستطيع وسائل الإعلام أن تقوم بدور مهم فى صياغة الأفكار والمفاهيم المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان لدى المبدعين والمثقفين، وفئات الطبقة الوسطى المتعلمة، الذين يمثلون فئة وسيطة فى نقل المعرفة وتشكيل المفاهيم وصياغة مواقف واتجاهات الجماهير نحو قضايا حقوق الإنسان.

وأكدت الدراسات على أن الصحافة الأمريكية استطاعت بتركيز معالجتها لقضايا حقوق الإنسان المدنية والسياسية عن طريق نشر المقالات التحليلية أن تؤثر تأثيرًا قويًا على المناقشات والعلاقات الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.

وفى الوقت نفسه نجد أن وسائل الإعلام يمكن أن تلاقى من العقبات ما يحول بينها وبين انتشار ثقافة حقوق الإنسان والتوعية بها بين الأفراد وداخل المجتمعات، فالحق فى الاتصال والحصول على المعلومات يجب أن يكون حقًا للجميع دون تمييز بسبب الدين أو اللغة أو العنصر أو الجنس أو الرأى أو الموقف السياسى والفكرى، وبذلك تتحقق المشاركة الإيجابية وإلا ظلت المعلومات تتدفق من أعلى إلى أسفل من السلطة إلى المحكومين أو من الدولة الأقوى إلى الدولة الأضعف أو من الشعوب الصناعية الغنية للشعوب النامية الفقيرة.

الدراسات الدولية تتحدث عن الإقناع بقضايا حقوق الإنسان يمر بخمس مراحل وهى الإدراك ثم الاهتمام ثم المحاولة أو التجربة ثم الاقتناع وأخيرًا التبنى، وتلعب وسائل الإعلام الدور الرئيسى فى المراحل الثلاث الأولى أما الاقتناع والتبنى فيتحقق عن طريق الاتصال المباشر الشخصى أو الجمعى.

ويلعب الإعلام دورًا مهمًا فى دعم وتعزيز حقوق الإنسان وفى تأكيد الترابط بين جميع الحقوق، كما له أهمية متزايدة فى عالمنا العربى الذى لا يزال يعانى قصورًا فى التوعية بقضايا حقوق الإنسان وثقافتها ومفاهيمها، مما يضع على عاتق وسائل الإعلام مسئولية خاصة بنشر المعرفة حول قضايا حقوق الإنسان وكذلك كشف الانتهاكات الخاصة بهذه الحقوق.

كما يقع على الدراما أيضًا دور مهم فى تدعيم بعض القيم الخاصة بحقوق الإنسان، لعل من أهمها ما قدمته الدراما التليفزيونية من أعمال تعلى من قيمة حرية التعبير، وتأكيد مبدأ المساواة بين المواطنين ووضع قضايا حقوق المرأة والطفل وذوى القدرات الخاصة فى أولويات «أچندة» اهتمامات الجمهور.

ووفق ذلك تلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا فى التأثير على مسار حقوق الإنسان ليس فقط من خلال دورها فى تأسيس الوعى العام لهذه الحقوق وتكريس المفاهيم الخاصة بها ولكن أيضًا فى مجال التأثير بشأن حماية هذه الحقوق من خلال دورها الرقابى وقدرتها على إثارة القضايا المختلفة وتوفير المعلومات الخاصة بها ومتابعتها، لكن بقدر ما تمتلك وسائل الإعلام من إمكانيات لتعزيز حقوق الإنسان والنهوض بها، فإنها يمكن أن تكون عنصر إعاقة وتضليل سواء من حيث تزييف الوعى بمفاهيم معينة أو تكريس أنماط وصور ذهنية سلبية عن أشخاص أو فئات أو حجب المعلومات عن الرأى العام ومن هنا تأتى أهمية رصد كيفية تعامل وسائل الإعلام مع حقوق الإنسان.

ولذا يتعين على الإعلام أن يقدم المعلومات الصحيحة البعيدة عن التحيز بخصوص حقوق الإنسان بما يسهم فى الارتقاء بمستوى وعى المواطن حتى تصبح جزءًا من سلوكياته العامة، كما أن الاعلامى يتحمل مسئولية الوقوف بوجه كل الممارسات التى يراد بها الانتقاص من حرية الرأى والتعبير.

وإذا أردنا تحديد ما هو المطلوب يمكننا أن نجمله فى عدد من النقاط أولها تدريب الصحفيين والإعلاميين على الحيادية والموضوعية والالتزام بالنزاهة والدقة أثناء عمليـة نقـل الأخبـار، وألا يكـون متحيـزًا لأى طـرف مـن أطـراف الموضـوع الـذى ينشـره أو يبثـه، ويلتزم بالموضوعية فى التناول والتوازن فى عرض وجهات النظر وأن يقوم بنقل الخبر والحدث والصورة كما جاءت فى الواقع، خاصـة عنـدما يتنـاول الموضـوع أحـداثًا تهـم المجتمـع وأن يتجرد من أهوائه الحزبية أو الفكرية حين يعرض الخبر وعدم تغليب المصالح الخاصة على الاعتبارات المهنية والوطنية.

تأتى بعد ذلك مرحلة الدقة وهى تعنى باختصار التحقق مما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعى قبل بثها، لا يمكن للإعلامى ضمان الحقيقة دائمًا ولكن الحفاظ على دقة الحقائق والوقائع يظل المبدأ الأساسى للعمل الإعلامى.

يجب أن يكون الصحفـيون أصواتًا مستقلة؛ وهذا يعنى عدم التصرف- بشكل رسمى أو غير رسمى فـى خدمة المصالح الخاصة، ويجب الإعلان عن أى شىء يمثل تضاربًا فى المصالح، إعمالًا بمبدأ الشفافـية، ويقصد بها عدم الخضوع لأى تأثير أو رقابة أو ضغوط سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية من التناول الإعلامى الجيد.

إلا أن الخطورة الحقيقية تكمن فى غياب المعايير السابقة عن بيئة الإعلام الجديد وهو ما يستحق التوقف عنده لأنه باختصار لا يحترم كرامة الإنسان، بل إن مواقع التواصل حولت الإنسان إلى سلعة يعرض نفسه عليها بهدف التكسب دون الالتزام بأى معايير وشاعت أعمال الخداع أو التوريط أو الابتزاز أو التلاعـب بالأشـخاص مثـل (التسـجيل أو التصوير غير القانونى) واختراق خصوصية المواطن العادى.

يجب ألا تستخدم حرية والتعبير فى استخدام ألفاظ أو عبارات أو صور تتنافى مع الآداب العامة، عدم انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، عدم بث الأفكار والمفاهيم الخاطئة التى تروج للدجل والشعوذة والخرافات، الامتناع عن بث ما يؤذى أو يكرس ثقافة العنف والكراهية.

تستحق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان من الإعلام اهتمامًا أكبر، وأن يصارح الإعلام نفسه هل ما قدمه كافٍ لتعريف المواطن بها وإن كنت أرى أنها تحتاج إلى تعاون بين المؤسسات الحقوقية والإعلامية وعقد تدريبات للإعلاميين والصحفيين على مبادئ حقوق الإنسان من أجل الوصول إلى بيئة إعلامية داعمة لحقوق الإنسان.