الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الذين نسوا  طه حسين

الذين نسوا طه حسين

الشكرُ واجبٌ لهيئة قصور الثقافة لأنها الجهة الرسمية الوحيدة التى احتفت بذكرى 50 عامًا على وفاة الدكتور طه حسين، وقامت بنشر مجموعة من كتبه فى معرض الكتاب بأسعار فى متناوُل المواطن البسيط، وكان وراء هذا العمل اللافت الشاعر الكبير جرجس شكرى، أمين عام النشر بالهيئة، الذى بذل جهدًا كبيرًا فى الحصول على حق النشر بالتعاون مع مؤسّسة دار المعارف وفى اختيار العناوين المهمة التى وصلت إلى 20 كتابًا، ولولا ما فعلته الهيئة ما أحس أحد بهذه المناسبة المهمة التى نسيتها أو تناستها جميع الهيئات والوزارات المعنية، وكأنها جميعًا لا تدرك قيمة الرجُل ولا تعرف دوره فى تجديد الفكر والأدب العربى، لقد كان تأثير طه حسين فى العقل المصرى والعربى كبيرًا؛ فقد انحاز فى مؤلفاته وأفكاره دائمًا للعقل رافضًا الانصياع إلى النقل، وسعى إلى التجديد محاربًا الجمود ومتمردًا على الأفكار السائدة، واقتحم المجالات التى خشى الجميع الدخول إليها رافعًا شعار حرية البحث العلمى مُحدثًا هزة كبيرة فى المجتمع بهدف تحريره من القيود التى تكبله، ودفع فى سبيل ذلك الكثير سواء بتكفيره من أدعياء التدين أو فى التحقيق معه أمام النيابة بسبب كتابه «فى الشعر الجاهلى» ولولا وجود محقق مستنير يدرك الفارق بين الدراسة العلمية والكفر فحفظ التحقيق لأمضى سنوات عديدة من عمره فى السجن، ولم تكن هذه معركته الوحيدة؛ فقد خاض منذ طفولته معارك عديدة بدأت بفقدانه البصر والذى انتصر عليه بالبصيرة والعزيمة، ومنها رفضه تقديس التراث واعتراضه على جمود التعليم الأزهرى التى انتهت بتركه الأزهر والتحاقه بالجامعة، وأيضًا إبعاده عن عمادة كلية الآداب لرفضه منح عدد من السياسيين والأعيان الدكتوراه الفخرية، وكذلك انحيازه للفقراء ومطالبته بالعدالة الاجتماعية من خلال كتابه «المعذبون فى الأرض» الذى أغضب عليه المَلك ولذلك لم يطبع فى مصر إلا بعد ثورة يوليو، بجانب معاركه الأدبية والنقدية الكبيرة والكثيرة.



خاض طه حسين هذه المعارك من أجل تقدم الوطن والذى رأى أنه لن يتم إلا من خلال تحرير العقل وإعلاء حرية الفكر وتطوير التعليم وإتاحته للجميع، ولهذا كان يجب الاحتفاء بذكراه التى تم تجاهلها- حتى الآن- من جميع الجهات المعنية، وأولها وزارة الثقافة التى لم نشهد لها نشاطا يوازى أهمية اليوبيل الذهبى لرحيل عميد الأدب العربى، واكتفت حتى الآن بعدد من الندوات فى معرض الكتاب، ولكن لم نرَ أى فاعليات كبيرة، فهيئات النشر بها باستثناء هيئة قصور الثقافة لم تنشر كتابًا واحدًا من مؤلفات طه حسين وكان يمكنها أن تبذل جهدًا للحصول على حق نشرها مثلما فعلت قصور الثقافة التى حفظت ماء وجه الوزارة علمًا بأن حقوق النشر ستصبح متاحة مجانًا فى أكتوبر المقبل لمرور 50 عامًا على الرحيل، كنت أتوقع أن تقوم هيئة المسرح بإعداد مسرحيات عن روايات طه حسين أو من مترجماته عن المسرح العالمى، كما كان يمكن للهيئات التى تتبع الوزارة إقامة ندوات تناقش فيها فكر العميد، وهو ما قامت به مشكورة مؤسّسة جمال شيحة للتعليم والثقافة والتنمية المستدامة؛ حيث أطلقت بالشراكة مع اتحاد كُتّاب مصر فعاليات برنامج ثقافى تحت شعار: «طه حسين.. مشروعًا للمستقبل»، أيضًا وزارة التعليم من الجهات التى نسيت الدكتور طه رُغْمَ أنه كان وزيرًا للمعارف وهو أحد الداعين لمجانية التعليم وكلمته المشهورة أصبحت قولاً مأثورًا «التعليم كالماء والهواء يجب أن يتاح للجميع»، وقد كانت فرصة لمناقشة تطوير التعليم وجدوَى المجانية؛ حيث لا يزال كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» صالحًا لوضع أساس لمناقشة قضايا التعليم، كما كنت أعتقد أن وزارة التعليم ستضع فى المناهج الدراسية موضوعات عن طه حسين وكفاحه وحياته، وقد كانت قديمًا تدرّس كتابَىْ  «الأيام» و«الشيخان» فى مراحل الدراسة المختلفة، الجهة الثالثة التى نسيت عميد الأدب العربى هى جامعة القاهرة التى كان عميدًا لكلية الآداب بها وظننت أن العام الدراسى سيطلق عليه عام طه حسين وتنظم خلاله ندوات ومؤتمرات عن أفكاره وأعماله وإبداعاته وتقام مسابقات بين الطلاب عن أفضل أبحاث عنه، الأمر نفسه ينطبق على جامعة الإسكندرية التى كان مديرًا لها؛ فقد تجاهلت ذكراه وكأنه لا يعنيها، لا أدرى لماذا هذا التناسى وقد عرف الجميع بموعدها؟ لقد كتبت مُنَبِّهًا منذ عام ومُطالبًا الجهات نفسها بالاستعداد لهذه المناسبة، وكتب كثيرٌ من المفكرين والأدباء يدعون لاحتفال كبير على غرار ما تقوم به الدول الغربية والمتقدمة فى مثل هذه المناسبات وكنا ندعو أن يكون العام كله عام طه حسين، أمامنا باقى السَّنَة والتى لم يمر منها سوى ربعها الأول لتدارُك هذا الأمر، ويمكن لوزارة التعليم أن تضع فى مناهجها فى العام الدراسى المقبل والذى يتواكب بدايته تقريبًا مع ذكرَى وفاته فى أكتوبر كتابات له وعنه أو تقرّر تدريس أحد مؤلفاته، والأمر نفسه ينطبق على جامعتَىْ القاهرة والإسكندرية ووزارة الثقافة فما زالت الفرصة قائمة للاحتفاء به بطرُق مختلفة، فهل تفعلها هذه الجهات أمْ تظل على نسيانها لعميد الأدب والفكر العربى؟