الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جريمة اختطاف نصف مليون مصرى

جريمة اختطاف نصف مليون مصرى

«قدّمت الليدى بارونيت بينيت عضو مجلس اللوردات البريطانى سؤالاً للحكومة البريطانية فى يناير 2022 عمّا فعلته فى سبيل اكتشاف موقع دفن أكثر من 10 آلاف مصرى توفوا فى خدمة الإمبراطورية البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى ومن ضمنهم فيلق العمال المصرى، وفى فبراير من العام نفسه؛ أجابت البارونس جولدى أن اللجنة المختصة بمقابر حلفاء بريطانيا فى هذه الحرب نشرت تقريرًا جاء فيه إن الوثائق التى عثرت عليها قدرت الذين قُتلوا من العمال المصريين وفيلق الجمال المصرى بـ15 ألفًا و500 وعدد قليل منهم دُفنوا فى قبور عليها شواهد بأسمائهم ومعظم الأسماء وأماكن الدفن غير معروفة وفى حالة العثور على مقابر وأسماء سوف يتم وضع شواهد عليها، وحاليًا تبحث اللجنة عن أسماء المصريين، بحيث يتم تسجيلهم وتكريم الاسم، وتم تسليم قائمة بالأسماء إلى السُّلطات المصرية حتى يمكن دفع المعاشات والتعويضات اللازمة، وتأمل اللجنة فى أن تكون هذه الأسماء محفوظة فى الأرشيف المصرى حتى يمكن دراستها وبحث ما يمكن عمله»، هذا الخبر جاء فى خاتمة كتاب الدكتور محمد أبو الغار «الفيلق المصرى.. جريمة اختطاف نصف مليون مصرى» الصادر عن «دار الشروق» مؤخرًا، ويكشف فيه كيف تم اختطاف وإجبار نصف مليون فلاح مصرى للعمل مع الجيش البريطانى خلال الحرب العالمية الأولى فى ظروف غاية فى القسوة وتحت التهديد والوعيد والعقاب الذى وصل إلى حد الجَلد وقتل مَن حاول الهرب منهم، وفى ظل هذه الأوضاع البائسة والقاتلة مات منهم عدد غير قليل، ولعل هذا يدفعنا للسؤال ماذا فعل المسئولون المصريون وما هى تحركات الحكومة المصرية لاسترداد حقوق هؤلاء الضحايا؟ وإذا كان مجلس اللوردات البريطانى أخذ زمام المبادرة فى البحث عن حقوقهم منذ أكثر من عام فماذا فعلنا نحن؟ هل تكاسلت الجهات المعنية أمْ تحركت وإلى أى شىء وصلت؟ وهل لدينا سجل بأسماء المصريين الذين شاركوا فى هذه الحرب غصبًا أمْ أن أرشيفنا لم يحفظها أو لم يحتفظ بها؟ إننا نريد إجابات واضحة؛ خصوصًا أن الدكتور «أبو الغار» وهو يبحث عن معلومات عن هذا الفيلق لم يستطع الاطلاع على الوثائق المصرية بسبب إغلاق دار الكتب فى وجوه الباحثين لفترة طويلة وعندما سمح بالتقدم بطلبات تقدم للحصول على إذن بالاطلاع لكنه لم يحصل على الموافقة حتى وقت تقديم الكتاب لدار النشر، وحسب ما كتبه فإنه اعتمد على «الوثائق البريطانية الموجودة فى المتحف الحربى الإمبريالى بلندن؛ حيث تواصَل مع إدارة الاطلاع فى المتحف وطلب تجهيز الوثائق المطلوبة، وعندما ذهب إلى هناك وجد جزءًا منها فصوّره وأرسل موظفو المتحف الجزء المتبقى بالإيميل بتكلفة لم تتجاوز عشرة جنيهات استرلينى قيمة التصوير أمّا الاطلاع فكان مجانًا»، وهو ما يكشف عن ضرورة إتاحة الوثائق للباحثين المصريين وتسهيل الإجراءات أمام الدارسين الجادين، اعتمد أيضًا الدكتور «أبو الغار» فى جمع مادة الكتاب على النذر البسيط الذى كتب عرضًا عن الفيلق فى عدد من كتب التاريخ التى كانت بها فقرات قصيرة ومعلومات قليلة عنه مثل «مذكرات سعد زغلول» وبعض كتابات سلامة موسى وكتاب «القارعة» لعلى بركات و«مذكرات عبدالرحمن فهمى» و«مذكرات عبدالرحمن الرافعى» و«حوليات شفيق باشا» ورواية «الفيلق»  لأمين عز الدين وبحث عالية مسلم عن «قرية الهمامية» وكتاب «مذكرات قرية» لعصمت سيف الدولة وكتاب «رجال ريا وسكينة» لصلاح عيسى ومذكرات عباس خضر «خطى مشيناها»، وحوار نشر فى «روزاليوسف» فى مارس 1968 مع عضو الفيلق الوحيد الذى أدلى بشهادة مكتوبة، وكذلك ما كتبه الدكتور خالد فهمى.



وكان الأهم هو مذكرات وخطابات الملازم البريطانى فينابلز الموجودة فى المتحف البريطانى بالإضافة إلى دراسة للمؤرخ الأمريكى كايل أندرسون تضمنت تفاصيل مهمة عن الفيلق، ومن هذه الصفحات المتناثرة استطاع الدكتور «أبو الغار» أن يلملم المعلومات عن هذا الفيلق وكيف تم تجميعه بالإجبار من القرى فى الريف والصعيد؟ وكيف تواطأت الحكومة المصرية وقتها مع الإنجليز؛ حيث بدأ الأمر بالتطوع ثم تحول بعد ذلك إلى استخدام القوة والقهر فى جمع الفلاحين والذين قدرت بريطانيا عددهم بـ530 ألف مصرى فى حين رأى المؤرخ عبدالرحمن الرافعى أنهم مليون فى وقت كان تعدد مصر 10 ملايين فقط، وكان عمل الفيلق تمهيد الأرض وتركيب السكة الحديد وحفر الخنادق وتفريغ وشحن سُفن فى فرنسا وبلچيكا وإيطاليا وفى سيناء وفلسطين وسوريا الكبرى والعراق وغرب استنبول والجُزُر اليونانية، وكان العمل فى مناخ صعب وظروف شاقة ومميتة وتحت تهديد القنابل ودانات المدافع، وصاحب كل ذلك النظرة الدونية من الإنجليز للفلاحين المصريين باعتبارهم جنسًا أدنى، ولعل من المفاجآت التى كشف عنها الكتاب هو وجود نُصب تذكارى فى مصر للضحايا المصريين فى هذه الحرب بنته هيئة الكومنولث وقد بحث عنه الدكتور «أبو الغار» كثيرًا حتى وجده مهملاً ومهجورًا فى فناء مبنى يتبع معهد أبحاث أمراض العيون بالجيزة، ولكن هل مَرّ ما فعله الإنجليز بالفلاحين فى هذا الفيلق دون رد؟ يرى الدكتور «أبو الغار» أن ما حدث كان سببًا فى ثورة الريف خلال ثورة 1919 التى واجهها الإنجليز بالعنف؛ حيث استخدموا القذف بالطائرات لقَمع الفلاحين وإخماد ثورتهم.

الكتاب به تفاصيل مهمة عن الفيلق وعن وضع مصر خلال الحرب العالمية الأولى، وهو يكشف عن جريمة ارتكبت فى حق هؤلاء المصريين والفضل فى كشفها للدكتور «أبو الغار» الطبيب النابغة والعالم الكبير الذى لم يكتفِ بذلك ودفعه اهتمامه بالشأن العام إلى الأبحاث التاريخية فأصدر العديد من الكتب القيمة ومنها «أمريكا وثورة 1919» و«يهود مصر فى القرن العشرين» و«الوباء الذى قتل 180 ألف مصرى»، والآن ماذا سنفعل؛ هل نتحرك للحصول على حقوق أجدادنا أمْ نتركها مثلما تجاهلناها لسنوات طويلة؟!