كلمة و 1 / 2.. لماذا يخشى الكبار الحديث عن قلوبهم؟!

عندما أراد يوسف شاهين تقديم فيلم عن حياة أم كلثوم أطلق عليه (ثومة)، بعد أن رشحته أم كلثوم فى البداية لتصوير أغنية (طوف وشوف) فى شريط تليفزيونى، سخر يوسف شاهين من الفكرة قائلًا لها: (يعنى إيه طوف شوف، يعنى أصور الساقية والبرج وانت بتغني) ردت عليه الست: (أنت مجنون زى مابيقولوا عليك)، وبعد عدة فناجين من القهوة اتفقا على أن يقدم قصة حياتها فى فيلم، وبالفعل صور لها بعض حفلاتها للاستعانة بها فى الشريط السينمائى، واتفق مع الكاتب سعد الدين وهبة على صياغة السيناريو، وبدأ سعد وهبة فى تسجيل قصة حياتها، ثم سألها عن حياتها العاطفية فرفضت تمامًا، حاول إقناعها دون جدى، وهنا تعطلت لغة الكلام، وتدخل وزير الثقافة د.ثروت عكاشة بما له من دلال على (الست)، ولكنها قالت له: (بعد ما أموت اعملوا اللى انتم عاوزينه)، ونحى سعد وهبة جانبًا كل ما له علاقة بأم كلثوم الإنسانة التى تحب وتكره وتغضب، وبعدها رحلت أم كلثوم وتوقف المشروع.

عندما شرعت المخرجة إنعام محمد على قبل نحو 23 عامًا، فى تصوير مسلسل (أم كلثوم) أقام ورثة (كوكب الشرق) دعوى قضائية طالبوا فيها بإيقاف عرض المسلسل، خوفًا من الاقتراب من حياتها الشخصية، إلا أن التليفزيون لم يستجب لهم، وبعد الحلقات الخمس الأولى بدأ الشارعان المصرى والعربى ولا حديث يجرى سوى عن روعة المسلسل، وتغير موقف الورثة تمامًا فأقام المهندس محمد الدسوقى حفل سحور رمضانى لفريق العمل، وكان هو أقرب الشخصيات لأم كلثوم فهو ابن شقيقتها والمسئول عن كل تعاقداتها، وأصبح بعد رحيلها هو المتحدث الرسمى للورثة.

كانت أم كلثوم حريصة على تسجيل حياتها فى حوار لها مع الإذاعى وجدى الحكيم، ولم تخش الحديث عن فقرها وكفاحها، شىء واحد رفضت البوح به وهو حياتها العاطفية، وهو بالفعل ما تجنبه الكاتب محفوظ عبدالرحمن وهو يكتب حلقات المسلسل.

كثير من الفنانين قُدموا حياتهم بعد الرحيل فى أعمال درامية وأقام الورثة دعوات قضائية، لإيقاف العرض وطالبوا بتعويض، والقائمة طويلة، ورثة الشيخ الشعراوى وعبدالحليم حافظ ونزار قبانى وأسمهان وصباح رغم أن مسلسل (الشحرورة) قُدم فى حياتها وهى التى سجلت للكاتب قصتها، إلا أنها بعد بداية عرض المسلسل طالبت بإيقافه بحجة أنه يزور الحقيقة، وقبل نحو عامين أعلنت نبيلة عبيد أنها توصى الجميع بعدم تقديم حياتها فى أى عمل فنى.

كان أيضًا الراحل د. محمد عبدالوهاب أستاذ الأشعة وأرمل السيدة فاتن حمامة قد رفض تمامًا فكرة تقديم حياة سيدة الشاشة فى مسلسل أو فيلم، أكد لى أنه لن يكتب مذكراتها، ولا حياته معها، واعتبر ذلك منطقة محرّمة، رغم أنه عاش 40 عامًا، زوجًا لها، فهو ثالت أزواجها بعد المخرج عزالدين ذوالفقار والنجم عمر الشريف، والحقيقة أن ابنى فاتن شاركاه الرأى، طارق عمر الشريف ونادية ذو الفقار لا يرحبان بتقديم أعمال فنية عن فاتن، وكانت تلك أيضًا رغبة فاتن؛ فهى لم تكن حريصة على كتابة مذكراتها، ولا حتى إقامة سرادق عزاء لها، وهو ما سبق أن أعلنته مديحة يسرى قبل رحيلها بثلاثة أعوام، وأوصتنا جميعًا ألا نسمح بعد أن يحين أجلها بتقديم حياتها دراميًا، شادية قد أبدت انزعاجها عندما بدأت إحدى شركات التليفزيون قبل نحو 15 عامًا  فى تصوير مسلسل يتناول سيرتها الذاتية، هند رستم أوصت ابنتها الوحيدة بسنت بألا تسمح لأحد بذلك، وقبل ثلاثة أعوام، كانت المعركة على أشدها فى(الميديا) بعد أن أكد محمد رمضان عن استعداده لتقديم حياة احمد زكى فى مسلسل أطلق عليه (الإمبراطور)، وثار الورثة فتوقف المشروع.

لا أتصور أننا من الممكن أن نملك الشجاعة لنروى كل شىء، ومن فعلوها فى لحظة شجاعة دفعوا الثمن، حتى بعد رحيلهم، ستظل رواية السير الشخصية فى عالمنا العربى محاطة بكثير من المحاذر والمحظورات، لا أحد يملك الشجاعة لكى يقول كل الحقيقة، بعضها فقط وعلى استحياء ممكن.