الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. الحلقة المفقودة فى أزمة صناعة الدواجن

ع المصطبة.. الحلقة المفقودة فى أزمة صناعة الدواجن

 أزمة صناعة الدواجن الحالية ليست وليدة اللحظة، بل يمكن القول إنها أزمة كاشفة لواقع لطالما حذر منه الخبراء فى هذا المجال خلال السنوات الماضية.



الأزمة وإن كان ظاهرها يعود إلى أزمة الدولار وما ترتب عليها من تعطل دخول الأعلاف المستوردة، إلا أن حقيقتها وفق تحذيرات الخبراء المتعددة تعود بشكل كبير إلى التغيرات المناخية وتأثيرها على زراعة الذرة الصفراء المكون الأساسى لعلف الدواجن.

فسبق أن حذر الخبراء من أن التغيرات المناخية أثرت بالسلب على إنتاج الذرة الصفراء فى دول نعتمد عليها مثل الأرجنتين، حيث طالب الخبراء وزارة الزراعة بضرورة الإسراع بالتوسع فى زراعة محصول الذرة الصفراء محليًا تجنبًا لتقلبات الأسواق العالمية ولوقف نزيف العملة الصعبة المدفوعة فى شراء وشحن هذه الأعلاف، ناهينا عن أن الاعتماد على المحصول المحلى يوفر علفًا ذا جودة عالية لأن المستورد ليس بالضرورة هو الأفضل، بل ربما يكون من الدرجة الثانية، وكذلك يجنبنا تكلفة الشحن وانتشار السموم الفطرية فى الأعلاف المستوردة التى تأخذ وقتًا طويلًا فى رحلتها من بلاد المصدر حتى تصل إلينا.

واقع الأمر يشير إلى أن محدودية الأراضى الزراعية يقف عقبة أمام التوسع فى زراعة الذرة الصفراء على حساب محاصيل أخرى، لكن الواقع يؤكد أيضًا أن الأمر ليس بهذه الصعوبة خصوصًا مع وجود سلالات من تقاوى الذرة الصفراء تعطى إنتاجًا جيدًا فى الأراضى الصحراوية، مما يسهل كثيرًا فى تحقيق قدر كبير من الاكتفاء الذاتى من الأعلاف، خصوصًا أن الذرة الشامية تعد مصدر تغذية غنى بالبروتينات ليس فقط للدواجن ولكن للماشية أيضًا تغنى عن الأعلاف المصنعة باهظة الثمن عبر ما يسمى بـ«السيلاج»، وهو عبارة عن تخمير سيقان الذرة بما تحمله من محصول، ليستخدم كعلف للماشية.

وفق الخبراء، فإن زراعة الذرة الصفراء محليًا سيؤدى إلى خفض أسعار الأعلاف إلى ما قيمته نصف الأسعار الحالية، ومن ثم تراجع سعر الدواجن بشكل كبير خصوصًا أنها تعد بديلًا أرخص للحوم الحمراء، كما أن ذلك سيوفر ملايين الدولارات تصرف فى عمليات الاستيراد.

أما المشكلة الثانية التى تجابه صناعة الدواجن فى مصر فتكمن فى طريقة تعاطى وزارة الزراعة مع هذه المنظومة، وهى طريقة بحاجة لإعادة نظر شاملة قبل فوات الأوان، ويكفى على سبيل المثال لا الحصر، أن نعلم أن هناك قرارًا وزاريًا صدر عام 2017، أصبح بكل أسف أداة لهدم هذه الصناعة بدلًا من الارتقاء بها وتطويرها، هذا القرار فى جوهره يستهدف منع بناء عنابر دواجن فى الأراضى الزراعية القديمة ويقصر بناءها على الأراضى الصحراوية، وهذا أمر محمود، بل ومطلوب بشدة، كما يفترض أنه يشجع على تحويل العنابر المفتوحة وشبه المغلقة إلى عنابر حديثة مغلقة، لكن تفسيرات مسئولى الوزارة جاءت متشددة، وعند طلب أى صاحب مزرعة تطوير عنابره إلى عنابر حديثة مغلقة يصطدم بهذه التفسيرات التى تمنع تغيير أبعاد هذه العنابر العشوائية إلى عنابر حديثة لها مواصفات عالمية، حيث يتذرع هؤلاء المسئولون بالقرار سالف الذكر، ومن ثم يلقى قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالوزارة بالكرة فى ملعب وزير الزراعة وإدارة حماية الأراضى التابع للوزارة، رغم أن المسألة لا تحتاج سوى للتنسيق بين قطاع الثروة الحيوانية وإدارة حماية الأراضى، وهما جهتان تابعتان لنفس الوزارة، ولن يحدث ذلك إلا بوجود النوايا الخالصة فى النهوض بهذا القطاع.

تمسك مسئولو الوزارة بهذا القرار يجعلهم لا يعترفون بتطوير المزارع اللاحقة لصدور هذا القرار أى أن أى مزرعة مقامة بعد عام 2017، تحرم بشكل غير مباشر من موافقات قطاع الثروة الحيوانية على تطويرها، ولا يوجد أمام أصحابها سوى الدخول فى دوامة جديدة من خلال التسجيل فى الهيئة العامة للاستثمار، وهى إجراءات قد تستغرق ما بين ستة أشهر إلى عام كامل.

والغريب أن مسئولى قطاع الثروة الحيوانية يتمترسون خلف هذا القرار، وإذا أصر صاحب أى مزرعة على تطوير مزرعته خصوصًا إذا كانت مقامة قبل صدور القرار، ويطالب بمراجعة مثل هذا القرار أو على الأقل التنسيق مع إدارة حماية الأراضى، لا يجد استجابة وفى أفضل الأحوال يصفون وضعه بأنه حالة فردية!

وتكمن سلبيات هذا القرار أو بمعنى أدق سلبيات تفسيره، فى أنه يحرم الدولة من تطوير منظومة الدواجن فى مصر، بل وتقنين وضعه إذ أن الغالبية العظمى من المزارع غير مرخصة مما يضعها فى خانة الاقتصاد الموازى، مما يكبد القطاع خسائر كبيرة، ويكفى أن نعلم أن ثمانين فى المئة من تكلفة الدورة التشغيلية للدواجن تكمن فى الأعلاف، ومع ارتفاع أسعار الأعلاف الحالية فأن التكلفة تتجاوز التسعين فى المئة، لذلك فإن اعتماد العنابر المغلقة وفقًا للمعايير القياسية، سوف يوفر كثيرًا فى معدلات استهلاك الأعلاف، ويقاس هذا الوفر من خلال ما يعرف بمعدلات التحويل، أى كم يستهلك الطائر لتكوين كيلو من اللحم، ففى العنابر المفتوحة وشبه المغلقة يتجاوز فيها معدل التحويل 1.7 كيلو من الأعلاف للحصول على كيلو جرام من اللحم، فى حين يصبح هذا المعدل 1.3 كيلو فى العنابر المغلقة، أى أنه يتم توفير 800 جرام من العلف عند تربية طائر بوزن 2 كيلو جرام، وهذا يعنى توفير نحو الطن من الأعلاف عند تربية ألف طائر، وهى كمية هدر كبيرة تزداد فى العنابر العشوائية يدفع ثمنها المستهلك.

 

ووفقًا لمركز المعلومات الصوتية والمرئية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، فإن إجمالى إنتاج القطاع التجارى من الدواجن فى مصر 1.4 مليار طائر، بينما ينتج القطاع الريفى نحو 320 مليون دجاجة، هذه الأرقام الرسمية تعنى أن إجمالى الإنتاج مليار و720 مليون دجاجة سنويًا، وفى حال تطبيق نظام العنابر المغلقة القياسية، فإن حجم التوفير فى الأعلاف سيبلغ مليونًا و370 ألف طن سنويًا، بما يعادل 30 مليارًا و140 مليون جنيه مهدرة حاليًا، فى حال احتساب متوسط طن الأعلاف 22 ألف جنيه، يدفعها المستهلكون من جيوبهم لأن المنتج لا يمكن أن يبيع بالخسارة.

 

الخلاصة... لن تستطيع صناعة الدواجن الصمود أمام متغيرات الأسواق الدولية، ولن يتوقف نزيف العملة الصعبة، إلا بفك ارتباط هذه الصناعة الحيوية بالأعلاف المستوردة من خلال توسيع رقعة زراعة الذرة الصفراء فى الظهير الصحراوى، خصوصًا أن الدولة تولى اهتمامًا كبيرًا باستصلاح ملايين الأفدنة، بل إن تكلفة سنة من العملة الصعبة المستخدمة فى استيراد الأعلاف كفيل بتوطين زراعة الذرة الصفراء خلال فترة وجيزة، وهذا دور وزارة الزراعة.

أيضًا لابد من إعادة النظر فى القرار الوزارى الصادر عام 2017، فهو ليس قانونًا يتطلب الذهاب إلى البرلمان لتعديله، مع ضرورة التخلص من بيروقراطية التعامل مع هذه القرارات كما لو كانت نصوصًا مقدسة لا يجوز الاقتراب منها، خصوصًا عندما تتعارض مثل هذه القرارات مع توجه الدولة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء.