الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
دولة الحب.. وعناكب الكراهية

دولة الحب.. وعناكب الكراهية

«الحُب هو بداية الحياة وهو ستارُ النهاية فيها.. والحياة من دون حُب تتحول إلى غابة من الصراع والوحشية».. العبارة السابقة وردت فى كتاب ممتع للناقد الكبير «رجاء النقاش» (مَلكة تبحث عن عريس) الذى يتحدث فيه عن التجربة الشعرية والحياتية للشاعر الكبير «نزار قبانى» الذى لم يُعرف فى الأدب العربى كله شاعر جعل من الحب موضوعًا خلال خمسين سنة متصلة مثلما فعل «نزار» الذى شغل نفسه به منذ بدأ الكتابة (1946) إلى الآن.



ما جذبنى بشدة لقراءة هذا الفصل من الكتاب إحساسى المتضخم بالمفارقة المؤلمة التى نعيشها فى هذا الزمان اللعين.. وبين الماضى الجميل الذى صرتُ أشتاق إليه شوقًا عاصفًا مصحوبًا بأسًى عميق لتبدل الأحوال وزوال دولة الحب وسيادة عصر الكراهية والفرقة وازدراء الآخر فى ردة حضارية ألقت ظلالها الكثيفة والكريهة بكل شرورها وتخلفها وقسوتها على أرض المعمورة وربوعها عُنفًا وتحرشًا وتنمرًا وقبحًا يسود وينتشر ويتوغل.. تكفيرًا وإقصاء وتناحرًا وتطرفًا دينيًا وإلحادًا.

جرائمُ قتل بشعة وزنَى مَحارم واغتصاب أطفال وزواج قاصرات.. إقصاء وفرض وصاية وانقسامات طائفية تحولات مرعبة فى السلم القيمى والأخلاقى للشخصية المصرية.. سينما رديئة ودراما تليفزيونية تطفح ببذاءات لفظية وصراعات منحطة ومَشاهد عُرى وابتذال.. لقد أصبح الحاضرُ كابوسا مقيتاً ومرعبًا يُخرج الإنسانَ المعاصر من رُقيّه وتحضُّره ويجرده من فكره وعقله وعواطفه ومن حُبه للآخر.

ويعزى «رجاء النقاش» إلى أنه بالحُب تنهض الحياة وتتقدم وتصبح عيدًا من أعياد الإنسانية كلها.. وحينما نسترجع التاريخ فلا بُدّ أن يقفز إلى الذاكرة «جلال الدين الرومى» الشاعر الصوفى العظيم- الذى عاش فى عصر اتسم بالتعصب الأعمى والتشدد المَذهبى الصلب؛ فقد كتب قصيدة مطلعها: توجه للحب يا حبيبى/ فلولا حياة الحب الجميلة لكانت الحياة عبئًا ثقيلاً.. كما أنه هو القائل إن البحث عن الحب يغيرنا.. ففى اللحظة التى تبدأ فيها بالبحث عنه يبدأ التغيير عليك ظاهرًا وباطنًا.. تلك هى رسالة «الرومى» إلينا.. اختيار أحد النقيضين ولا شىء آخر بينهما.. إمّا الحب الصافى أو الكراهية العمياء.. وفى طريق الحب تنبذ الكراهية.. فما من حكمة بلا حب.. وإذا لم نعرف كيف نحب مخلوقات الله فإننا لا نستطيع أن نحب الله حبًا صادقًا ونعرفه معرفة حقيقية.

وفى طريق الكراهية فإن الذين يكرّسون لثقافة الازدراء المقيتة ويسعون إلى غسيل الأدمغة وتفريغ العقول للمريدين بتوجهات ظلامية بأوراق التكفير الصفراء ورُغْمَ زوال دولتهم فإن عقولهم الموصدة لا تزال تؤثر فى الشارع محاولة إفساد دولة مَدنية مستنيرة تتسق وحضارتنا الضاربة فى عُمق التاريخ.

والمتابع لردود فعل عناكب وأشرار الأصوليين وأبناء الكراهية من عيال الفيسبوك الشامتين فى مرض ورحيل الكاتب الصحفى الكبير «مفيد فوزى» ومن قبله الفنان الرائع «فاروق الفيشاوى»؛ إنما يعكسون الانهيارَ الأخلاقى الذى أصاب السّلم القيمى للشخصية المصرية متمثلاً فى انحطاط المَشاعر وفظاظة السلوك وتحجُّر الضمائر.. فيحاكمون الناسَ بموجب نفوسهم المريضة وكأنهم رُسُل الإنسانية لشيوع الفضيلة والفضيلة منهم براء.