الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
اللغة العربية تنعى نفسها

اللغة العربية تنعى نفسها

فى المؤتمر الصحفى عقب مباراة المغرب مع البرتغال والذى فاز فيها الفريق المغربى، أصر ياسين بونو حارس مرمى المغرب على التحدث والإجابة على الأسئلة التى وجهت له باللغة العربية، رغم أنه يجيد أكثر من لغة أجنبية إذ ولد فى كندا وعاش بها حتى عمر ثمانى سنوات كما لعب للعديد من الأندية الإسبانية آخرها نادى إشبيلية، وعندما طلب منه الصحفيون الأجانب الإجابة على أسئلتهم بالإنجليزية أو الفرنسية قال لماذا لم تحضروا معكم مترجم؟، رسالة بونو واضحة اعتزازه الكبير باللغة العربية وعدم الانسحاق أمام سطوة اللغات الأجنبية التى غزت الجيل الجديد من أبنائنا حتى تكاد تصبح لغتهم الأولى فى ظل تراجع الاهتمام بلغتنا الأم، جاء موقف بونو ليلقى الضوء على مشكلة اللغة العربية التى تكاد تصبح غريبة فى بيتها، ولعل ما فعله لاعب المغرب وتزامنه مع الاحتفال بيوم اللغة العربية والذى حددته الأمم المتحدة بيوم 18 ديسمبر من كل عام، ينبهنا إلى ضرورة الاعتناء بتعليم أولادنا لغتنا التى تعبر عن هويتنا، لقد ارتبط يوم الاحتفال العالمى بالعربية بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 18 ديسمبر 1973، على إدراج اللغة العربية ضمن مجموعة اللغات الرسمية المعمول بها فى المنظمة الدولية، كما اعتمدت منظمة اليونسكو اليوم العالمى للغة العربية عام 2012 للاحتفال بها سنويًا؛ وهو ما يذكرنا أننا نملك لغة حية ومؤثرة، ويكفى ما كتبته اليونسكو حول سبب هذا الاحتفال بأنه «يهدف إلى توعية العالم بتاريخ هذه اللغة وأهميتها باعتبارها إحدى اللغات الأكثر انتشارًا واستخدامًا فى العالم، إذ يتكلمها يوميًا ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان العالم»،



حيث لا يقتصر متحدثوها على الدول العربية فقط، فالمسلمون فى كل العالم يتعبدون بها لأنها لغة القرآن، ولا تتم الصلاة وعبادات أخرى إلا بإتقان بعض كلماتها، كما أن العربية لغة رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية فى المنطقة العربية.

وفى يوم الاحتفال بها هذا العام سلطت اليونسكو الضوء على المساهمات الغزيرة للغة العربية فى إثراء التنوع الثقافى واللغوى للإنسانية، فضلًا عن مساهمتها فى إنتاج المعارف، وذلك من خلال موضوع «مساهمة اللغة العربية فى الحضارة والثقافة الإنسانية»، كما نظمت سلسلة من حلقات النقاش والفعاليات الثقافية فى مقرها فى باريس، حول التنوع الثقافى تحت عنوان «تجربة اللغة العربية وتفاعلها مع اللغات الأخرى»، هذا ما قامت به اليونسكو فماذا فعلنا نحن من أجل الحفاظ على هويتنا اللغوية؟ الإجابة لا شيء، بل إن الأمر يزداد تدهورا فمعظم تلاميذ المدارس وخريجى الجامعات - وبعضهم فى مراكز مرموقة - لا يجيدون العربية ويخطئون أخطاء فادحة فى نطقها وكتابتها، بل إن عددا غير قليل من المصريين يضعون كلمات ومصطلحات أجنبية فى كلامهم العادى وأحاديثهم اليومية، وأصبحت الإنجليزية والفرنسية والألمانية لدى البعض هى اللغة الأساسية التى يسعون لتعلمها لأنها طريق الحصول على عمل، خاصة بعد أن أصبحت الغالبية العظمى من الوظائف تشترط إجادة لغة أجنبية وعلى رأسها الإنجليزية، وفى نفس الوقت لا تشترط هذه الوظائف إجادة اللغة العربية، وهو ما جعل الاهتمام ينصب على تعلم هذه اللغات والدراسة بها، حيث يسعى أولياء الأمور إلى إلحاق أبنائهم منذ مراحل التعليم الأساسية بمدارس اللغات والتى تركز على تعليم الأطفال المواد الدراسية بهذه اللغات فى مقابل تجاهل العربية، وبسبب هذا التوجه وعلى مدى سنوات ظهرت أجيال لا تجيد ولا تحب لغتنا بل ويعتبرها البعض أنها لغة ميتة وفى طريقها إلى الاندثار.

وزاد من المأساة اللغة الجديدة التى تكتب بها معظم التدوينات فى وسائل التواصل الاجتماعى، حيث تستخدم كلمات تجمع بين كتابة العربية بحروف أجنبية ومضفرة بأرقام بدلا من الحروف، وهى طريقة فى الكتابة تنتشر بسرعة فى أوساط الشباب حتى كادت تصبح اللغة الرسمية لهذه النوعية من الكتابات، وإذا استمر هذا الوضع المؤلم فإن اللغة العربية ستصبح لغة غير مستخدمة فى المستقبل القريب، سيقول البعض أنها لغة القرآن وأنه لا بد من معرفتها من أجل العبادات وخاصة الصلاة، ولكن الخوف أن يصبح تعلمها فى أقل نطاق وأن نصبح مثل الأجانب وغير المتحدثين بالعربية الذين يتعلمون القليل منها من أجل العبادات دون إجادتها ومعرفة جمالياتها، لا يدرك الجيل الجديد أهمية اللغة العربية، وكل الجهات المعنية لا تروج بين الجيل الجديد لهذه الأهمية وكأنها استسلمت للأمر الواقع، وهو ما يذكرنا بما حدث فى مطلع القرن العشرين عندما هاجم البعض اللغة العربية وقالوا عنها أنّها لغة ناقصة لا تناسب الزمن ولا ثقافته وعلومه ولا تصلح لنا فى العصر الحديث وعملوا على الترويج للعامية واللغات الأجنبية، ولكن محبى ومنصفى اللغة العربية وقتها تصدوا لهذا الهجوم، وكتب الشاعر الكبير حافظ إبراهيم قصيدة عام 1903 بعنوان «اللغة العربية تنعى نفسها»، أظهر فيها عظمة العربية وحذر من اختفائها واندثارها وقال فيها على لسان العربية: «فَلا تَكِلونى لِلزَمانِ فَإِنَّنى أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتى».. فى البيت تستنجد اللغة العربية بأبنائها وتحذرهم بألّا يتركوها للزمان، والذى من الممكن أن يعبث ويتربص بها، فهى تخاف أن تحين وفاتها فتختفى وتندثر وتفنى ويصبح العرب بلا هوية أو لغة، فهل ننتبه قبل فوات الأوان؟