السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
اللغة الجديدة!

اللغة الجديدة!

«شر البلية ما يضحك» أو «الكوميديا السوداء» أو «التراجيكوميدى» هى تعريفات أو صفات يمكننا أن نعبر بها عن تلك الدعوة التى أطلقها الدكتور «مصطفى الزباخ» مقرر أكاديمية المملكة فى الرباط فى مؤلفه المهم «تصويبات اللغة» والمقصود بالطبع اللغة العربية الفصيحة.. والدعوة تتلخص فى الدفاع عن أمن اللغة التى أصابها الكثير من التلوث والعبث والتحريض والاعتداء والتنمر والجهل على ألسنة العامة والتى أورد أمثلة منها كثيرة ومتعددة فى كتابه.. ورصدها بحكم موقعه كمسئول لسنوات عن اتحاد جامعات العالم الإسلامى التى تتبع منظمة العالم الإسلامى الشهيرة للتربية والثقافة والعلوم، وأشار إليها الكاتب الصحفى المرموق «سليمان جودة» فى مقال له فى «المصرى اليوم».. ومنها مثلاً أن الشاعر الرائع «حافظ إبراهيم» الذى ترجم رواية «البؤساء» للروائى الفرنسى الشهير «فيكتور هوجو» أخطأ فى العنوان.. فالترجمة الصحيحة هى «البائسون» لا «البؤساء» لأن البؤساء هى جمع «بئيس» و«البئيس» فى اللغة هو الشجاع القوى.. ومن هنا فإن المفارقة الساخرة أنه بينما يقصد المؤلف «البؤساء» بالمعذبين الأشقياء الفقراء المهانين من الظلم الاجتماعى الفاحش جاء العنوان بعكس الصفة.



وجدير بالذكر أن الرواية التى تعتبر من أشهر روايات القرن التاسع عشر تدور حول الحياة الاجتماعية البائسة التى عاشها الفرنسيون بعد سقوط «نابليون» من خلال شخصية «جان فالجان» الذى قضى تسعة عشر عاماً من حياته سجينًا لسرقته خبزاً لأخته وأطفالها الذين يتضورون جوعاً.

والحقيقة أن ما قصدته فى استهلال المقال بعبارة «شر البلية ما يضحك» أن مؤلف الكتاب الذى يبدو أنه لم يتابع الاعتداءات الغاشمة على اللغة العربية فى عصرنا السعيد، بل التشويه البغيض لها والذى تفاقم وتفشى وشاع شيوعاً رهيباً بين العامة، بل لا نبالغ إذا قلنا أنه يكاد يعلن عن انتحار أو القضاء الشامل والتدمير التام للغتنا الجميلة ليس فقط بشيوع الأخطاء اللغوية، ولكن باختراع لغة سوقية بديلة يتشدق بها الشارع المصرى، خاصة شبابه.. بل امتدت لتشمل شرائح مختلفة وطبقات متعددة ومستويات متباينة من البشر المتفاوتى التعليم والثقافة والأعمار والوظائف والمكانات الاجتماعية.. بل أصبحت تشكل أغلبية سائدة تتحدث بمفردات لغوية مبتذلة وخشنة تنضح بجهل فاضح بأبجديات اللغة العربية المتعارف عليها.. وهذا الخطر الداهم فى ذلك الشيوع المعيب فى انطلاقه على ألسنة أنماط كثيرة من الإعلاميين والصحفيين ومقدمى البرامج التليفزيونية ومقدمات المهرجانات الفنية ومعلقى مباريات كرة القدم ومحللى وخبراء التعليق فى استوديوهاتها، بل بعض من يصفون أنفسهم باعتبارهم روائيين وكتاب قصة قصيرة يكتبون بعامية ركيكة ومبتذلة، وبالتالى فإن كتاب الباحث الجليل الذى يحتوى على بعض الأخطاء اللغوية عندما تقارن بالاعتداء الغاشم ليصل إلى حد مزرٍ يطمس كل علاقة من قريب أو بعيد إلى اللغة الأصيلة يفصح عن مفارقة مخجلة لا يمكن تصور حجم بشاعتها وتهون إلى جانبها تلك الأخطاء التى يشير إليها الباحث فتثير ضحكًا كالبكاء.

وصباح الخير لرواد اللغة الجديدة!