حوكمة أَمْ خصخصة؟

«الحَوْكَمَة» مُصطلح جديد تم مؤخرًا تدشينه إعلاميًا لينضم إلى مجموعة كبيرة من المصطلحات المبتكرة التى تزخر وتحتفى بالأكليشيهات البرّاقة واللافتات الجذابة والشعارات المبهرة.. وقد جاء مصطلح «الحَوْكمَة» فى إطار تصريحات د.«رضا حجازى» وزير التربية والتعليم فيما يتصل بالثورة التعليمية الشاملة الجبارة المزمع إشعالها لإصلاح حال التعليم المتردى وسعيًا نحو نهضة تعليمية عظيمة نفخر بها بين الأمم؛ وذلك عن طريق تدخُّل الحكومة الحاسم بترخيص «سَناتر الدروس الخصوصية» وإنشاء شركة لإدارتها.. والاعتراف الرسمى بها وتقنين أوضاعها.. وهو إذ يَعترف أن فئة كبيرة تعمل فى تلك السَّناتر دون أن يكون هناك أى معلومة عنها وكثير من مُعلميها ليس له أى علاقة بالتدريس.. ويرى أنه بدلًا من أن تتجه الوزارة لمحاربتهم وغلق أماكن نشاطهم؛ فإنه من الأفضل والأجدَى والأكثر حكمة الاتجاه إلى تقنينها و«حَوْكمَة» فعاليتها.. ومشاركة أصحاب تلك الأوكار أرباحهم المهولة.

بالإضافة إلى أن هذا الإجراء يتصف بالشجاعة الأدبية والمواجهة الجسورة بدلًا من أن نضع رءوسنا فى الرمال.. ونغمض أعيننا عن تفشّى تلك السّناتر اللعينة وانتشار سمومها القاتلة فى سائر أرجاء المعمورة.. والاعتراف بها طبعًا يعنى بوضوح مباركتها وتشجيع نموّها ودعمها وتسهيل مُهمّتها السامية فى ازدهار التعليم ورفعة شأن المُعلم بطموح محمود فى أن ندخل فى سباق الدول المتحضرة التى يتمتع التعليمُ بها بمستويات رفيعة وراقية.. إننا بهذا التعاون الجميل نضرب عدة عصافير بحَجَر واحد؛ أولًا: نحقق نهضة عظيمة نفخر بها بين الأمم من حيث إننا نرفع المستوى المادى للمدرس بحصوله على دخْل كبير دون أن تحتاج الدولة لرفع مرتبه.. ثانيًا: نحقق استثمارًا تزداد فيه موارد الوزارة بمشاركة أباطرة السّناتر فى الأرباح.. ثالثًا: نتخلص تمامًا وبطريقة غير مباشرة من مجانية التعليم بإغلاق المدارس الحكومية دون أن نجهر بالسُّخرية من محدودى الدخل لعدم قدرتهم على دفع المصاريف المطلوبة.. ونقضى تمامًا على صيحات المتشدّقين الذين يرفعون شعار المغفور له.. «طه حسين» بأن العِلْم كالماء والهواء.. حق للجميع.