الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الوحدة الوطنية

الوحدة الوطنية

«أنا قبطى دينًا ولكنّى مسلم وطنًا».. جاءت هذه العبارة المدهشة على لسان القطب الوفدى الكبير «مكرم عبيد باشا»، وكانت المناسبة مشاركته فى موكب كبير يمر بمسجد السيدة زينب.. وقف الجميع أمام المسجد لقراءة الفاتحة فوقف معهم مكرم عبيد رافعًا يده إلى محاذاة صدره وقرأ الفاتحة مثلهم.. وقد أثار هذا الموقف من كبير السياسيين الأقباط وقتها ضجة فى مختلف الأوساط، فذهب إليه صحفى أجنبى ليسأله «كيف تقرأ الفاتحة أمام مسجد السيدة زينب وأنت الرجل القبطى؟ فأجابه مكرم على الفور بالعبارة السابقة الواردة فى بداية المقال.



يقول الكاتب الصحفى المرموق إبراهيم عبدالعزيز فى كتابه «ليالى نجيب محفوظ فى شبرد»، الذى سرد تفاصيل تلك الواقعة بالإضافة إلى وقائع أخرى تعبر عن الوحدة الوطنية بين الأقباط والمسلمين، والتى أكد الناقد الكبير «رجاء النقاش» فى مقال مهم له أن مؤسّس تلك الوحدة فى مصر هو الزعيم «سعد زغلول» قائد ثورة 1919 ولو لم يكن لسعد زغلول سوى هذا الأثر فى تاريخه كله لكان ذلك كافيًا لأن يجعله من الخالدين.

وقد ذكّرنى هذا الموقف بقصة قصيرة بديعة للأديب الكبير «خيرى شلبى» ملخصها أنه فى قرية صغيرة تنشأ صداقة قوية بين الشيخ رضوان إمام المسجد والقس بولس راعى الكنيسة منذ الصغر.. تقع ورشة رضوان للنجارة أمام الكنيسة وكثيرًا ما كان يتولى رضوان إصلاح الصُّلبان الخشبية التالفة والأبواب العتيقة بالكنيسة.. ونلاحظ أن تراتيل الصلاة يتابعها ويحفظها.. يلتقى الصديقان فى سهرات بمنزل القس أو الشيخ الذى يهوى الموسيقى ويعزف على العود الأغانى القديمة.. يصدر قرار بنقل القس إلى كنيسة ببلدة أخرى.. يحزن الشيخ حزنًا بالغًا لفراق القس.. يعانقه مودعًا فى حرارة والدموع تظفر من عينيه.. يتعاهدان على التواصل الدائم.. لا يصل القس البديل حتى يحل موعد ليلة العيد؛ حيث يتوافد المصلون على الكنيسة.. الشيخ يسرع بإنقاذ الموقف.. ويحيك بسرعة رداء أسودَ ويرتدى عمامة ويبدأ فى أداء شعائر الصلاة التى يحفظها.. وحينما يوشك الفجر أن يبزغ يسرع مهرولًا إلى المسجد ليعتلى المأذنة ويؤدى آذان الفجر.

يجرنا ما سبق إلى تعقيب سمعته فى حديث تليفزيونى على لسان الأب والأم المكلومين لانتزاع الطفل شنودة اللقيط - الذى توليا تربيته بعد أن عثرا عليه فى دورة مياه كنيسة واعتباره مُسلمًا - من أحضانهما وإيداعه فى إحدى دُور الرعاية.. فكان تعليقهما وهما ينتحبان فى مرارة أنهما يرغبان فى عودته إليهما مُسلمًا كان أو قبطيًا فذلك لا يعنيهما على الإطلاق.