الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
نجيب محفوظ.. المفترى عليه

نجيب محفوظ.. المفترى عليه

 عانَى أستاذنا الأديبُ العظيمُ «نجيب محفوظ» الكثيرَ من الافتراءات الفَجَّة والإساءات والاتهامات الباطلة والادعاءات الغبيّة والتجاوزات الخُلقية البغيضة من جميع الاتجاهات والأطياف.. من أهل اليمين واليسار.. من النقاد والصغار.. من أصحاب الرأى ومدعى المعرفة.. من المثقفين والغوغاء.. من السياسيين والدهماء.. من الظلاميين والتكفيريين... من الصحفيين اللامعين.. ومن الأرزقية الأفاقين..



لكنه بسعة صدر رحبة.. وسماحة بالغة.. وتعفُّف وسمو راسخ.. وروح سامقة.. وترفُّع شامخ حينما ثارت ضده ثائرة المتطرفين الدينيين واتهموه بأنه كاتب إباحى يُرَوّج للفُحش والابتذال والرذيلة فى رواياته.. ثم كفّروه مستندين إلى رواية «أولاد حارتنا» واعتدى عليه سَمّاك اعترف بأنه لم يقرأ له حرفًا واحدًا وطعنه بالمطواه فى رقبته.. أعلن الأستاذ أنه سامحه فهو مجرد أداة لا يُدرك بشاعة جريمته لجَهله وتصوُّره أنه سوف ينعم بالجنة الموعودة لمن يقتص من الكافرين.

أمّا النقادُ الكبارُ من معاصريه من أهل اليسار فقد ظلوا يحاصرونه فى محاكمات نقدية وسجنوه فى خَندق مَذهبى وقوالب أكاديمية صمّاء وبطاقات أيديولوچية عقيمة وتصنيفات مَدرسية جاهزة وخانات من التقسيمات الجامدة والانطباعات السطحية المتهافتة والرؤية الضيقة لعالم صخب لا حدود لثرائه وتنوُّعه وعُمقه ابتدعه بقلمه المُلهم.. فاتهموه بأنه يعادى الاشتراكية فى رواية «خان الخليلى» ويكره عبد الناصر انتصارًا لوفديته.. فشخصية المحامى الاشتراكى فى الرواية قد فشل «محفوظ» فى رسم ملامحه السياسية والاجتماعية فشلًا ذريعًا.. أمّا «على طه» الثائر الوطنى الاشتراكى فى «القاهرة الجديدة» فهو مختلط التفكير.. متهافت المبدأ وليس اشتراكيًا صميمًا.. وينتهى الأمر بإدانة نجيب محفوظ بصفته «عديم الاشتراكية» و«خائن المسئولية».

وأثناء فترة اتفاقية «كامب ديفيد» أصدر الناقد «محمد عطية» كتابًا مرسوم على غلافه «العَلم الأمريكى» وقال فيه ما معناه إن الذين أيّدوا السلام هم ليسوا إلا عملاء لأمريكا.. وقد كان نجيب محفوظ- كما هو معروف- من الذين أيّدوا معاهدة السلام فأصبح من وجهة نظر الناقد «عميلًا».

ومع ذلك- كما يشير الناقد الصحفى المرموق «إبراهيم عبدالعزيز» فى كتابه «ليالى نجيب محفوظ فى شبرد»- أنه ظل حريصًا طوال عمره المَديد على ألا تسوء العلاقة بينه وبين النقاد لأنه يَعتبر الناقد يؤدى واجبًا والدخول معه فى معركة يُصعب مهمته.

وتأتى الإساءة أيضًا عن طريق فن النحت هذه المَرّة من خلال تمثاله الرابض فى ميدان «سفنكس» وقد جسّد الأستاذ مرتديًا نظارة سوداء تخفى عينيه تمامًا تلك العينان اللتان كانتا تشعان بألق موهبته البازغة وتُعَبر عن عُمق رؤيته العبقرية وظهَر ككفيف متكئ على عصا.

هذا وقد عَلق الأستاذ لمرافقيه من الأصدقاء حينما اصطحبوه لرؤية التمثال مُعلنًا عن عدم إعجابه به فى توريته الساخرة:

- يبدو أن المَثال كان مُعجبًا بروايتى «الشحاذ»!.>