الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«المحكى».. والتنوير

«المحكى».. والتنوير

أسعدنى كما أسعد آلافَ المصريين والعرب والأجانب ذلك النجاحُ الساحقُ لمهرجان «مَحكى القلعة» للموسيقى والغناء فى دورته الأخيرة «الثلاثين» التى نظمت بين أسوار قلعة «صلاح الدين الأيوبى» ودعمته وزارتا الثقافة والآثار ودار الأوبرا بكل الإمكانيات المتاحة.. وسعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وقناة «الحياة» لنقل فعالياته على الهواء ليستمتع به جمهور الشاشة الصغيرة وهو دور- بلا شك- تنويرى عظيم الشأن والأهمية.



و«المَحكى» يُعتبر من أهم المهرجانات الشعبية فى مصر والوطن العربى الذى يحتشد له جمهور يتميز بذائقة راقية تحتفى بالفن الأصيل.. ولم تتلوث آذانه بموجات متلاحقة من فظاظة وقبح وسوقية أصوات رديئة وكلمات متدنية وألحان متردية اجتاحت الشارع المصرى بضراوة وشيوع يخاصم الجَمال.. ويزدرى سمو الفنون الراقية. وقد غنّى فى «المَحكى» علامات بارزة وسامقة من نجوم الطرَب فأبدع «هانى شاكر» وتألق «مدحت صالح» وشدا «على الحجار» وصدحت «نادية مصطفى» الذين يمثلون أجيالًا رائعة من الفن الجميل.. على أن ما صرّح به «هانى شاكر» تعليقًا على هذا الحدث الرائع هو من أجمل ما قرأت من تعقيبات لأنها تصب فى اتجاه رغبته العارمة التى دافع عنها بضراوة فى الغيرة على فن الغناء الراقى وحمايته من الغوغائيين لإفساد الذوق العام وتدمير الهوية المصرية.. فقد أكد فى حديثه الصحفى بسعادته البالغة لمشاركته فى النسخة الثلاثين من المهرجان بإحيائه حفلًا غنائيًا شهد جمهورًا كبيرًا لم يتحقق من قبل فى أى حفل من حفلات المهرجان عبر تاريخه بعد أن تخطى عددُ الحاضرين حاجز 10 آلاف شخص، وهو رقم لم يتحقق فى أى حفل طيلة تاريخ المهرجان الذى انطلق فى بدايات تسعينيات القرن الماضى.. وذلك يعنى بالطبع أن تعطش عامّة الجماهير إلى الفن الجميل المفتقد فى هذا الزمن الضنين لا يزال قائمًا وراسخًا ومؤثرًا فى وجدان الناس ومحفورًا فى ذاكرتهم وفاعلًا فى ضميرهم الجمعى.. وأن خوف هانى شاكر من بطش العملة الرديئة بالعملة الجيدة.. وهو قلق لا تتحقق مقاومته بالإطاحة بنجوم ورموز وفلول المفسدين؛ حيث دأب هانى شاكر أثناء رئاسته لنقابة الموسيقيين على مطاردة المتهمين بإفساد الذوق العام، ومنذ ظهور «حمو» و«شطة» طالب بملاحقتهما أمنيًا.. وأصدر قرارًا بمنع 19 مطربًا من مطربى المهرجانات الشعبية من العمل وسحب تراخيصهم السنوية التى يمارسون بموجبها جريمة تلويث الأسماع بالغناء المنفر مما يشكل خطرًا داهمًا يزلزل هيبة ورُقى فنون جميلة وتقوض ركائز رسالتها المقدسة فى السمو بذائقة المستمعين ويجرنا إلى ردة حضارية لا ريب فيها تهدد سمعة الفن المصرى السامقة.

ومن هنا؛ فإن النجاح الجماهيرى المبهر لمهرجان «المَحكى» يؤكد أنه إذا ما كان ما يقدمه مطربو المهرجانات «لا فن»؛ فإن منعه لا يخضع لسُلطة نقيب ولا سُلطة أمن.. ولكن إلى سُلطة جماهير المتلقين.. إن تضافر الجهود للإعلاء من شأن إبداعات فنية راقية تطرد عناكب التخلف والدمامة ليس من المعقول أن تسىء إليها أصوات «حمو بيكا» و«شطة».. والنور فى النهاية يطرد الخفافيش والدليل النجاح الطاغى الذى حققه هانى شاكر والفنانون المبدعون الآخرون فى المهرجان الأيقونة.