الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. الحضارة الغربية رافد للتقدم..وليس للانسحاق (4-2)  التبشير بالأناركية

حقك.. الحضارة الغربية رافد للتقدم..وليس للانسحاق (4-2) التبشير بالأناركية

كثيًرا ما تقابل على وسائل التواصل الاجتماعى ظواهر غريبة وغير مفهومة مثل أشخاص غاضبين من إنجاز حققته دولتهم، وآخرين ينقبون عن عيوب حكوماتهم، وموجات نقد شديدة ضد الحكومات لا تطرح سوى حل واحد وهو التخلص منها دون النظر إلى حجم المخاطر أو تأثير ذلك الضار على حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية التى تتعرض لخطر شديد فى ظل حالات الفوضى والتنازع الأهلى.



وقد مرت دول الشرق الأوسط قريبًا بمثل تلك الحالة حينما خرجت تظاهرات بلا قيادات تدعو لإسقاط السلطة وحينما حانت اللحظة الحاسمة وبدأت اللعبة الديمقراطية، كشفت الجماعات المتطرفة عن نفسها وقفزت على السلطة وقررت احتكارها باعتبارها من يمثل الدين وأنها هى الصواب المطلق ومن على الجانب الآخر كافر وعلمانى.

مهما حاولت فهم منطق الهجوم على حكومات ناجحة أو حكومات تحاول العمل على إنقاذ شعبها وتأمين حياتهم رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وصعوبات النمو فى عالم لا يفرض قواعد العدل والمساواة ويتسامح مع دول كبرى تحتكر التكنولوجيا ولا تشاركها، بل تمنع الأمصال عن الآخرين فى وقت الجائحة، ولا تبحث عن السلام حينما تشتعل الحرب وتدفع الملايين للفقر والعوز بسبب سياسات الهيمنة والسيطرة على النظام العالمى.

إذا ضربنا مثلا بمصر، نجد أن البعض يطرح حلولاً للأزمة الاقتصادية تنطلق من وقف المشاريع القومية التى توفر الملايين من فرص العمل وتساهم فى فتح بيوتهم دون تفكير فى عواقب ذلك على المجتمع المصرى، بينما يبحث الآخرون عن إدانات معلبة للحكومة لاتفاقها على تمويلات من مؤسسات دولية لاستكمال المشروعات القومية ومواجهة ما فرضته الأزمة الأوكرانية من تحديات اقتصادية لم تتمكن اقتصاديات كبرى من مواجهة تأثيراتها الاجتماعية الخطيرة، بينما تواجه الحكومة المصرية الأمر بشجاعة وتتفاوض من أجل حماية المصريين فى ظرف صعب ودقيق.

وإذا سألت هؤلاء عن حل للأزمة ستجد أن نقطة انطلاقه تأتى من فكرة التهجم اللاإرادى على مؤسسات الدولة ومعاداة كل نجاحاتها والتقليل من حجم ما تواجهه من تحد، وتشويه كل تحركاتها  بلا وعى، والخلاصة أنك لن تجد حلا معقولا يحافظ على الناس ومصالح الدولة وأمنها القومى.

ذلك النوع من النقد الهدام لن تجده قادما من تيارات معارضة معروفة، بل من عناصر إخوانية وأناركية تتحدث بلغة متأثرة بمتلازمة يناير 2011، تحاول أن تستدعى صورًا من الماضى وتفرضه على الحاضر دون دليل أو أساس، مستخدمة «قاموس أناركى» بالأساس، بل إن بعض تلك الحسابات على وسائل التواصل تضع على بروفايلاتها صور شخصيات من أفلام أمريكية تمجد الفوضوية، مثل فيلم الجوكر الذى تحول إلى رمز السخط على المجتمع، التقطته مصانع القوى الناعمة الأناركية لتحوله إلى رمز للشباب المحبط بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية، رمز لرفض فكرة النظام والسلطة، وباستطاعته نقل رسائل الفوضى دون أن تتعقبها الحكومات مثلما تعقبت من قبله قناع شخصية ‏فانديتا الذى ‏أصبح رمزًا للاحتجاج وعرفنا قناعه الشهير فى تظاهرات ما سمى بالربيع العربى.‏

كلاهما الجوكر وفانديتا تعرض لأذى مجتمعى تحول إلى غضب ‏موجه ‏إلى السلطة، وكلاهما ظهر تأثيره على المراهقين والشباب ‏بدرجة ‏كبيرة، تأثير يشبه جلسات التنويم المغناطيسى، حتى إن ‏تصرفاتهما ‏العنيفة والجنونية المستمدة من خيال المؤلف أصبحت الشغل ‏الشاغل ‏للجميع على السوشيال ميديا، وتغزو الكوميكسات المرتبطة ‏بهم ‏تصنيفات الأكثر انتشارًا وشيوعًا حول العالم فيما يعرف ‏بسيطرة ‏‏«التريند»، حتى انتهى ذلك بظهور من يحاول تقليدهما فى كل الاحتجاجات.

وجسد فيلم «V for Vandetta» تلك الفكرة من خلال قيام بطل الفيلم الأناركى بإشعال المجتمع والتحضير للثورة بتفجير مبنى البرلمان البريطانى من خلف قناع مبتسم، حيث تم تصوير مشاهد الحرق والعنف ورفض القانون على أنها مظهر من مظاهر البطولة.

فى الفيلم كان هناك مشهد لسقوط قطع الدومينو كلها بمجرد سقوط قطعة واحدة، ولكن تبقى قطعة دومينو فى النهاية لم تسقط بعد سقوط جميع القطع الأخرى، أخذها بطل الفيلم وتأملها كثيرًا، وكانت تعبيرًا عن أن كل دول الثورات الفوضوية ستسقط ما عدا دولة واحدة وهى الدولة التى يحكمها وكيل لتيار العولمة الرأسمالية.

والأناركية هى أفكار قادمة من الغرب وارتبطت بالثورة الفرنسية وتتحدث عن هدم السلطة من أجل تحقيق المدينة الفاضلة عبر الفوضى وظهرت الأناركية فى منتصف القرن التاسع عشر - كجزء من فكرة التنوير - وصاغت مبدأ يتم بموجبه تصور المجتمع بدون حكومة، وأن السلام فى المجتمع لا يتحقق من خلال الخضوع للقانون، أو من خلال الطاعة لأى سلطة، ولكن من خلال الاتفاقيات الحرة المبرمة بين المجموعات المختلفة الفاعلة فى المجتمع.

المثير هو أن الأناركيين يتفقون مع الإخوان والدواعش على رفض فكرة الدولة القومية وانهيار الحدود بين الدول وعدم احترام الهويات لأن دولتهم المتخيلة هى الأعم والأهم وصاحبة الحق فى السيطرة على العالم.

وفى داخل الأناركية تياران، الأول رافض للعنف والآخر يؤيد استخدامه مسميًا إياه «النضال المسلح»، وهو ما يفسر حالة التعاطف والمساندة التى تقدمها تلك المنظمات لعناصر الجماعات الإرهابية خلال المحاكمات أو إشاعة جو من التعاطف معهم إذا ما تم تنفيذ أحكام قاسية ضدهم، من خلال كتابات إنسانية تتضمن تشكيكًا فى الأحكام من جانب و«تعمية» على الجرائم التى ارتكبتها تلك العناصر من جانب آخر.

وفى يونيو 2020 أعلن هذا التيار عن نفسه خلال التظاهرات التى اندلعت فى أعقاب مقتل الأمريكى من أصول إفريقية، جورج فلويد، بيد الشرطة الأمريكية فى مينيابوليس ‏بولاية مينيسوتا‎ ظهر أشخاص بمكياج الجوكر وفانديتا على وجوه حركة «أنتيفا» الأناركية والتى اتهمها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بالتورط فى سلب ونهب المؤسسات المالية وتنظيم أعمال عنف بالتوازى مع الاحتجاجات متوعدًا بتصنيف «أنتيفا» حركة إرهابية.

ظهرت الأفكار الأناركية عالميًا فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما وانتقلت من الولايات المتحدة إلى أوروبا ثم دول الشرق وتحولت لأداة هدم للأنظمة القومية المعادية لرأسمالية العولمة.

وكانت الأناركية هى شفرة ولوج الإخوان إلى قلب التيارات اليسارية والليبرالية الجديدة فى مصر بدعم من العولمة الرأسمالية وكانت منظمات حقوق الإنسان المرتبطة بذلك التيار فى مقدمة المبشرين بالأناركية فى دول الشرق الأوسط ،حيث كانت غالبية قيادات الصف الأول والثانى فى منظمات حقوق الإنسان «أناركيين» أو على تقارب معهم بدرجات متفاوتة، فالشيوعيون كانوا الأقرب للاشتراكيين الثوريين والأناركيين، وكانوا فى الوقت ذاته يسيطرون على منظمات كبيرة اجتمعت كلها على تلقى تمويل من رجل الأعمال الشهير جورج سوروس، عبر منظمة المجتمع المفتوح وكلها تبشر بمدينة فاضلة إذا تتبعت الشعوب إرشاداتهم سيصلون لها بينما الواقع يؤكد أنه لا يوجد شىء اسمه يوتوبيا أو مدينة فاضلة، وأنه وهم سارت خلفه الشيوعية حتى سقطت، نفس الأمر نراه فى الدعاية الرأسمالية عبر خداع الناس بأنَّ الجميع سيصبحون أثرياء وهو أمر مستحيل بكل المقاييس.

وللحديث بقية.