
هناء فتحى
عكس الاتجاه.. ما أشبه الليلة بالبارحة يا أمريكا!
فضيحة ترامب المجلجلة واتهامه وضبطه بسرقة وثائق سرّيّة من دواليب البيت الأبيض والتى أخذها معه (لمّا كان بيلم عزاله) ويسلم مفاتيح مكتبه فى واشنطن دى سى لخلفه «بايدن» 2020، لا تبدو القصة كما تبدو لنا بسيطة وعفوية وسطحية هكذا..
ولا تبدو حرب تكسير العظام الدائرة الآن بين الحزبين الكبيرين فى أمريكا التى تعكس فى باطنها استقطابًا بالغ الحد وحربًا أهلية وشيكة بين شعب الديمقراطيين وشعب الجمهوريين كما تبدو على حالها من الوهلة الأولى؛ لكنها تذكرك بأسباب وأحداث الحرب القديمة بين الشمال والجنوب الأمريكى عام 1860.
ثمَّة معادلة غائبة فى منتصف الكلام وتائهة بين الحقائق الظاهرية لما يحدث فى أمريكا، الحقائق التى تشير حكاية ترامب لعنوانها، أمّا التفاصيل فهى كثيرة.. فما إن ظهرت صناديق الأوراق السّرّيّة المسروقة من البيت الأبيض والمنقولة إلى خزانة بيت «ترامب» فى فلوريدا والتلميح بتوجيه اتهام له يقوده إلى الحبس، والأهم إلى صعوبة واستحالة ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة التى حسم حاكم فلوريدا «رونالد ديون ديسانتيس» أمْرَه فيها وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة فى 2024؛ حتى وجدوا ببيت «ترامب» الذى فى (فلوريدا) بالذات- وليس فى أى ولاية أخرى- صناديق مسروقة تحوى أوراقًا شديدة السّرّيّة عن أسرار تخص نووى إيران والصين، شوف إزاى؟!!
ما إن ظهرت حكاية الصناديق تلك إلا واستنفر من يُطلقون على أنفسهم مصطلح الـ«Mobs» أو الغوغاء أو جماعة اليمين المتطرف أو الكاوبوى أنفسهم من جديد.. إنهم الغوغاء الرافضون لوجود سائر الأعراق التى تختلف عنهم، لا يعترفون إلا بتميز أنفسهم، الغوغاء الذين اقتحموا من قبل مبنى الكابيتول ساعة إعلان نتيجة رسوب ترامب فى الانتخابات أمام منافسه الديمقراطى «بايدن».. الـ«Mobs» الذين يتخفى بين أسمائهم أسماء شخصيات نافذة فى الشرطة والقضاء ورجال المال والأعمال ومن الكونجرس نفسه، استنفروا أنفسهم وأعلنوها مذبحة (لو حد هوَّب من ريّسهم ترامب).. السؤال: ضد مَن؟ سيخوضون حربهم الأهلية الثانية ضد مَن؟ بمعنى: ما هو المعادل الموضوعى الأمريكى للـ«Mobs»؟
إنهم جماعة «Black Lives Matter» حياة السود مهمة والتى خفت حسّها تمامًا الآن بعد القبض على ديريك شوفين وحبسه 22 عامًا.. جماعة الغوغاء تلك التى اندلعت وانبثقت وتوثقت وتوطدت إثر قتل أفراد من رجال شرطة مينيابوليس للمواطن الأمريكى الأسود «چورچ فلويد».
لم يكن الذين يحكمون أمريكا من (فوق قمة الأوليمب) أو من خلف الحُجُب يحسبون حساب هذا اليوم، يوم تندلع فيه ثورة السُّود من أول وجديد، وقد كانوا أخمدوها ببلسَم أو بمُخَدر مؤقت يوم طرحوا «كمالا هاريس» كنائب للرئيس وألمحوا أنها قد تكون الرئيس، معتقدين أن صوتها وحلاوة ضحكتها ولونها وجذورها كل ذلك سيمتص غضب السُّود الدفين القديم كجَمْر النار المتقد والمغطى برماد بارد.. «كمالا هاريس» نصف الآسيوية ونصف اللاتينية قد خفتَ حسُّها تمامًا وصار وجودها أكثر خفوتًا من وجود بايدن الهلامى.
الحرب الأهلية الأمريكية الوشيكة لو قتلوا ترامب- وهو الاحتمال الأقوى والأرجح- أو سجنوه؛ فلن تكون بين الحزبين التقليديين العجوزين حرب أهلية؛ بل ستندلع بين الشعب المُستَقطَب والمتفسّخ إلى مجموعتين ترفضان بعضهما البعض وهما جماعة الـ «Mobs» وجماعة «Black Lives Matter».
والسؤال: أين تقف القوَى الفاعلة والمؤسَّسات التى تحكم أمريكا بين المتنازعين؟ يقينًا لن تقف بجانب السُّود والإسبان والصُّفر، فشرطتها تقتلهم على الأرصفة بدم بارد كل يوم، والقوَى التى تحكم أمريكا قوَى عنصرية تنتمى للكاوبوى وليس للهنود الحُمر.. ستنتصر عائلة (روتشيلد) لليمين المتطرف فهى منه وهو منها.. ستنتصر مؤسَّسات الجيش والقضاء والشرطة والكونجرس ومجلس النواب ومؤسَّسة السينما ورجال الأعمال للغوغاء لسُطوة الكاوبوى، وما كان «باراك أوباما» سوى جملة اعتراضية فى المسيرة التى انطلقت قبل وبعد عام 1860؛ بل تم استخدامه لصالح اليمين العنصرى ضد السُّود.. وما كانت «كمالا هاريس» غير صفر على الشمال، لم تكن سوى خيال مآتة لا يخيف الطيور الجوارح.. وما كان مقتل «چون كيندى» عام 1960 سوى عِبرة وشاهد على مثل تلك الأحداث.
وما أشبه الليلة بالبارحة يا أمريكا!