
هناء فتحى
عكس الاتجاه.. حواديت الدور الثالث
هو العنوان الأكثر دقة وتعبيرًا واتساقًا لمضمون الكتاب الذى أبدعت وسردت فيه الإذاعية المتميزة صوتًا وأداءً وثقافةً «أمال علام» عبر رحلتها كمذيعة ومقدمة برامج وإدارية بإذاعة (صوت العرب) كاشفة حكايا وأسرارًا عن الكبار والصغار، عن ماسبيرو «صفوت الشريف» فى الفترة من منتصف الثمانينيات حتى 2011 فقط، تاركة حكايا زمن ما بعد 2011 حتى الآن (لِوَقته)، هُنا سكتت «أمال» عن الكلام المباح وغير المباح معللة بأن كثيرًا من أمور المبنى لم تكشف عن أسرارها بعد، وأن بعض الحكايا مُلتَبسٌ سردها وعنوانها، إذ لا تزال بعض الحكايا مبهمة أو ناقصة أو بلا دليل.
ورُغْمَ ذلك؛ فإن الحَكَايا المروية فى الفترة المحددة منذ الثمانينيات حتى بداية 2011 حكايا مهمة وجديدة على السامعين - من خارج مصنع ماسبيرو- وثرية وكاشفة لمرحلة مهمة من تاريخ مصر، كانت فترة ازدهار إعلامى بامتياز.
لماذا الدور الثالث؟ لأن إذاعة صوت العرب كانت قاطنة به، ولأن الدور الثالث بكل صراعات وإخفاقات ونجاحات شخوصه كان كتالوجًا مصغرًا للمبنى كله.
غلاف الكتاب ذو الـ 252 صفحة لم يحوِ صورًا لسياسيين وأدباء تم إدراجهم داخل الـ 252 صفحة، ورُغم تفريغ صفحات الكتاب بحكايا وتسجيلات مع بعضهم؛ فإن الغلاف حوى فقط صورًا لـ 7 فنانين مشاهير أجرت معهم المؤلفة الحكاية بامتياز حوارات وعاشت معهم مواقف، ثمة فنانين آخرون على ذات القدر من الأهمية والقيمة لم يحظَ الغلاف بملامح وجوههم المحببة، كما أن بعض الحكايا المهمة جاءت فى الكتاب دون معرفة أسماء أصحابها! تركتنا الكاتبة والمذيعة الكبيرة للتأويل وللتخمين وللتأليف فى محاولة مضنية وفاشلة لمعرفة اسم صاحب الحكاية العجيبة.. بعض الحكاوى المُجهلة أسماء أصحابها داخل الكتاب كانوا جميعًا من الشخوص ذوى الحظوة الكبيرة والموهبة الضعيفة والحضور الهش، هؤلاء هم من كانت لهم وقتها صلة قرابة بالكبار، بالكبار جدًا.
فى الكتاب سيفاجئك موقف غريب؛ إذ إن مسئولين كبارًا بالإذاعة هم من منعوا كوبليهات - ذات إيحاءات عاطفية حسية- بأغانٍ شهيرة، منعها مديرو البرامج وليس سلفيون وإخوان يخطبون بالزوايا والجوامع بقرى ونجوع الصعيد، تصور! مثل مقطع أغنية (لسّه شفايفى شايلة سلامك.. شايلة أمارة حُبك ليّا) لعبدالحليم حافظ و(بوسة ونغمض وياللا) لسعاد حسنى، وكانت إذاعة مثل هذه الأغنيات كاملة دون حذف أثناء فترة مناوبة (أمال علام) قد جرجرها للتحقيق!
ثمة حكاية طريفة ورائعة وشديدة العذوبة عن عبدالوهاب تحكيها صاحبة حواديت الدور الثالث أثناء سهرتها باستديو إذاعة صوت العرب، الإذاعة التى أنشأها الزعيم جمال عبدالناصر لتكون صوتًا للعرب، قررت أمال علام فى الساعة الثانية صباحًا بث غنوة (آه لو تعرف) لنجاة، ولم تذكر اسْمَىّ المؤلف والملحن، فيأتيها اتصال تليفونى أرضى بعد انتهاء إذاعة الأغنية من «محمد عبدالوهاب» بنفسه معاتبًا: ليه مقولتيش اسم الملحن؟!
عبدالوهاب بنفسه يا قَوْم زعلان علشان المذيعة أسقطت اسمه واكتفت باسم المغنية وحدها.. طبعًا كان حدثًا جللًا، أى زمان جميل كان هذا؟
ولأنه ليس كتابًا عن (حواديت الدور الثالث) فقط لكنه حواديت مصر كلها وقتها، فثمة حكاية دالة، بل شديدة الدلالة ترويها المؤلفة، كانت «أمال علام» تذيع فقرة قراءة مانشيتات الصحف فى برنامج (شارع الصحافة) واختارت مانشيت من صحيفة الأهرام منشورًا فى صفحة أولى عام 1987 بعنوان: (خالد عبدالناصر يسافر إلى ليبيا)، ووقعت الواقعة، وانقلبت الدنيا فى ماسبيرو، إذ إن خالد ابن الزعيم كان متهمًا بعدة تهم سياسية ضد البلد ولم يكن موجودًا فى مصر بل (لندن) وكان ممنوعًا ذكر اسمه إلا فى صفحات الحوادث.
فى الكتاب حواديت وذكريات فنية حلوة، وفى الكتاب (خبطات) إعلامية مهمة كحوارها الفنى مع الشيخ محمد الغزالى الذى تمتلئ جنبات بيته باللوحات الفنية، ويتصدر صدر البهو بيانو، ليعترف بحبه لغنوة (سوف أحيا) للسيدة فيروز ويقر ويجزم بأهمية الفن وليس بتحريمه.
أجمل حكايات الكتاب وأكثرها إنسانية تلك الحكايات التى تضم جيران المؤلفة فى حى الزمالك مثل «أمال فريد» و«أمينة رزق» و«نجاة» و«هدى سلطان».