الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى ذكراه  «نور الشريف»

فى ذكراه «نور الشريف»

 هو دُرَّةٌ غالية من دُرَر السينما المصرية وأحدُ كبار فنانيها العظام وأبرزهم فى تاريخها الحديث، قدَّم خلال مشواره الفنى المُمتد عددًا كبيرًا من الأفلام الرائعة التى لا تُنسَى وحصل على الكثير من الجوائز والتكريمات فلقب بـ«صائد الجوائز»، وله سبعة أفلام فى قائمة «أفضل مائة فيلم مصرى» حسب استفتاء شارك فيه كبار النقاد المصريين.. ومَن ينسى أدوارَه فى أفلام (زوجتى والكلب)، و(أبناء الصمت)، و(الكرنك)، و(أهل القمة)، و(حدوتة مصرية)، و(العار)، و(سواق الأتوبيس)، و(غريب فى بيتى)، و(لا تبكى يا حبيب العمر)، و(حبيبى دائمًا).



أتذكر الآن المَرَّةَ الأولى التى رأيته فيها.. كنت لا أزال طالبًا بالمعهد العالى للسينما فى أوائل السبعينيات.. وقرر أستاذى دكتور فتحى زكى السيناريست أن يصطحبنى معه إلى مبنى التليفزيون؛ حيث يقوم المخرج الكبير «محمد فاضل» بإخراج مسلسل له بعنوان (وسقط القناع») بطولة «نور الشريف» الذى كان يبدأ أولى خطواته فى طريق النجومية.. وكان قبلها قد اشترك فى بطولة (200) حلقة من المسلسل الشهير (القاهرة والناس) وهى حلقات منفصلة متصلة تعالج قضايا الواقع المصرى المُعَاش، وتلقى الضوءَ عليها فى تحليل عميق وجذاب للعلاقات الاجتماعية التى تربط بين أفراد أسْرة تعرَّض أفرادُها لمشاكل مهينة وإنسانية فى إطار نقدى لاذع.. بدأ الدكتور «فتحى زكى» مبهورًا بأداء «نور الشريف» فى مسلسل (وسقط القناع) وظل يهتف أثناء مشاهدتنا لأحد المَشاهد: رائع.. رائع.. وقال لى إنه يتوقع لهذا الشاب الموهوب أن يصبح بعد فترة وجيزة نجم النجوم فى السينما المصرية.. وحينما انتهى من تصوير المشهد.. دخل علينا «نور الشريف» حجرة الكنترول ووزّع علينا قطعًا من الشيكولاتة.. وبلهفة طاغية ظل يسأل دكتور فتحى أسئلة متتالية حول رأيه فى تجسيده للشخصية.. ومدى إجادته فى سبر أغوارها النفسية.. وهل فهم أبعاد «الحتمية الاجتماعية» وفحوى الصراع الدرامى وهل استطاع أن يُعَبر عن المغزى العام وأن يحافظ على الإيقاع؟؟.. عشرات من الأسئلة العميقة المتخصصة التى تكشف عن ثقافة فنية كبيرة.. بالإضافة إلى الاحترام الجم لرؤية المؤلف وفكره.

قبل الرحيل بشهور قليلة ذهبت إليه ومعى معالجة درامية لمسلسل من تأليفى تمنيت أن يقوم بتجسيد بطولته.. كان قد حدد لى ميعادًا فى الصباح الباكر للقاء فى فيلته الأنيقة بالشيخ زايد.. استقبلنى بحفاوة مبتسمًا ابتسامته المشرقة وتعبيرات وجهه تجاهد لإخفاء آلام مرضه اللعين.. دعانى للجلوس.. لكننى تعللت بوجود زوجتى داخل السيارة بالخارج.. وأنا فى الحقيقة لا أريد أن أثقل عليه وأتسبب فى إرهاقه مؤجلًا الحديث معه إلى ما بعد قراءة المعالجة.. فإذا به يفاجئنى بالإسراع إلى خارج الفيلا فى اتجاه السيارة وأنا أهرول خلفه ليُحَيّى زوجتى فى تواضُع جم وبساطة آسرة.

هكذا كان «نور الشريف» نجمًا لا تقف نجوميته حائلًا دون روحه الطيبة الوثابة للود والحميمية وأشواق الوصال العفوى دونما تحفُّظ أو رسميات زائفة.. إنه ابن ثورة (يوليو 1952) وابن الحتة.. ابن السيدة زينب الذى ينتمى إلى شرائح البسطاء الذين حلموا مع «عبدالناصر» بمظلة عدالة اجتماعية تشمل كل المطحونين فى الأرض.. وكانت قصة صعوده من كومبارس صامت إلى نجم كبير يشار له بالبنان رحلة شاقة ومضنية يتسلح خلالها بموهبة فياضة وثقافة دفاقة.