الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الذبح خارج الجامعة

الذبح خارج الجامعة

«الحمد لله.. لزقت فى لوسى».. العبارة السابقة جاءت على لسان «عمر الشريف» فى الفيلم الكوميدى الشهير (إشاعة حب) إخراج «فطين عبدالوهاب».. والمناسبة أن الأب «يوسف وهبى» لجأ إلى حيلة تؤدى من وجهة نظره إلى تعلق ابنته «سعاد حسنى» بـ«عمر» من خلال إثارة غيرتها عن طريق رؤيتها لصورة فوتوغرافية للنجمة الفاتنة «هند رستم» مكتوب خلفها إهداء عاطفى ذو عبارات ساخنة تعبر فيه عن غرامها المشتعل له. الخادمة «وداد حمدى» التى تعثر على الصورة تتجه بها إلى «لوسى» ابن خالة «سعاد» أثناء جلوسه معها ومع صديقاتها فى حديقة الفيللا والطامح إلى الزواج منها.. بينما «عمر» وعمّه «يوسف وهبى» يراقبان الموقف من نافذة حجرة المكتب.. فيهتف «عمر الشريف» المستقيم السلوك الصادق الذى يكره الكذب والخداع بالعبارة السابقة.. ويفرح لأن الاتهام بالغرام الفاضح التصق بالشاب الرقيع «لوسى».



تذكرت هذا المشهد وأنا أقرأ البيان الصادر من جامعة المنصورة على إثر الجريمة البشعة التى ذبح فيها طالبٌ بكلية الآداب زميلته «نيرة»، الذى أصاب الجميع بصدمة مروعة لا تزال أصداؤها وتداعياتها مشتعلة.. فحوى البيان الفظ الخالى من كل المشاعر الإنسانية.. والمكتوب بصيغة تقريرية مقتضبة وجافة وكأنه يحذر من مخالفة تمس نظام تأدية الامتحانات مثلاً أو التلويح بعقاب الذين لجأوا إلى الغش.. يشير البيان المُخزى إلى ما تم تناوله على بعض صفحات التواصل الاجتماعى بشأن قيام أحد طلاب الجامعة بالتعدى على زميلته بآلة حادة.. هذا الحادث تم خارج أسوار الجامعة وليس داخلها.. بالقرب من إحدى البوابات.. وأن الجامعة تهيب بوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى تحرى الدقة فيما تنشره حول الحادث حتى لا تثير الذعر بين الطلاب وأسرهم.. وبناءً عليه فقد أخلت الجامعة مسئوليتها وألصقتها بالشارع خارج الحرم المقدس الذى لا تشوبه شائبة وينعم مَن بداخله بالأمن والسلامة والهدوء والطمأنينة.. كما ينعم أفراده بكل فضيلة واجبة وأخلاق مرعية وسلوك قويم بفضل يقظة وحزم وحرص المسئولين على شيوع الانضباط والاستقامة واستتباب الأمن وتنفيذ التعليمات الأمنية السديدة.. أمّا إثارة الذعر فلا بأس منها إذا حدثت على بُعد خطوات من أسوار الجامعة وليس داخلها.

والحقيقة المفزعة فى الحادث المروع لم يتوقف الأمر فيه على بشاعته، ولكن ردود الأفعال التى لحقت به تشى للأسف ببشاعة أكثر هولاً ورعبًا ربما يكون أقلها أثرًا ذلك البيان البيروقراطى الخالى من كلمة مواساة أو استنكار أو تأثر أو أسف أو تعبير عن فداحة الفجيعة وأبعادها الاجتماعية والنفسية والسلوكية والتربوية والتعليمية.. وكلها تمتد لتشمل مجتمعًا بأكمله فى حالة مأساوية من التردى والتناقص والتصدع والكراهية وازدراء الآخر.. ويصدق فيه قول شاعرنا الكبير «صلاح عبدالصبور».. هذا زمن الحق الضائع / لا يعرف فيه مقتول قاتله / فرءوس الناس على جثث الحيوانات / ورءوس الحيوانات على جثث الناس / فتحسّس رأسك.. تحسّس رأسك.

لقد تحولت الضحية المغدورة إلى جانية أثيمة تدعو إلى الفاحشة فهى سافرة تثير الفتنة وتوقظ غرائز الحيوان.. ولم تكتفِ بذلك؛ بل رفضت وصاله ولم تستسلم لطغيان ذكورته الجامحة فذبحها وبارك فعلته رموز تيارات التطرف الأصولى بتحريضهم ضد السافرات وطالبوا كل أنثى أن تكون «قفة» لتنجو من الذبح «الحلال» وتأثر بهم رهط متزايد من العامّة الذين غسلت أدمغتهم ولوثت بهستيريا التكفير والازدراء والوصاية.

ورعب أكثر من هذا سوف يجىء.