الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1 / 2.. عطر باريسى التهم رسائل عبدالوهاب العاطفية!

كلمة و 1 / 2.. عطر باريسى التهم رسائل عبدالوهاب العاطفية!

الخاص والعام، متى تذوب الفوارق بينهما؟ لو أننا بصدد الحديث عن شخصيات عامة، هل يظل الخاص خاصًا والعام عامًا، هل رسائل الفنانين الشخصية تصبح مشاعًا بعد رحيلهم، أم أن ما كان سرًا فى حياتهم ينبغى أن يظل للأبد ممنوعًا من التداول؟!



مثلاً من بين المقتنيات الخاصة لمحمد عبدالوهاب تلك الرسائل التى أرسلها لزوجته السيدة الراحلة نهلة القدسى. السيدة «نهلة» قبل 7 سنوات أكدت بكل فخر أنها قد جمعت كل هذه الخطابات ووضعتها فى ماء العطر الباريسى المفضل له، ثم أضرمت فيها النيران، وعندما سألوها عن السبب قالت أخشى بعد رحيلى أن تصبح مشاعًا؟!

قررت أرملة الموسيقار الكبير الراحل تنفيذ حكم الإعدام فى هذه الأوراق، وقالت إنها مع مرور السنوات شعرت بقدر من الخوف من أن تقع فى أيدى الأحفاد، ثم يكتشفون أن جدتهم وجدهم كانا يتبادلان خطابات الغرام والعتاب، ولهذا كان ينبغى التخلص السريع منها، اختارت نهلة القدسى لحظة شديدة الرومانسية، وهى ليلة الاحتفال بيوم ميلاد الموسيقار الكبير 13 مارس، وغمرت الخطابات بماء العطر وأضرمت فيها النيران، اعتبرت «نهلة» أن هذه الخطابات شأن خاص بينها وبين عبدالوهاب، لأن ما يربطه بجمهوره هو أغنياته وألحانه فقط وهى لم ولن تفرط فيها، ولكن الأوراق الشخصية ملك لها وحدها!

كل مقتنيات الفنان مع مرور الزمن تتحول إلى مزار، وليس مجرد ألحانه أو مؤلفاته الأدبية أو لوحاته، سيدة الغناء العربى أم كلثوم احتفظت أسرتها بمنديلها الشهير ونظارتها السوداء وقبل سنوات تم التبرع بهما فى مزاد علنى ذهبت حصيلته لمكافحة الجوع، وحقق المنديل فقط أرقامًا مذهلة، صحيح أننا نتابع بين الحين والآخر مزادًا لبيع مقتنيات لأم كلثوم مثل العقد الذى ترتديه أو أساورها الذهبية، لكنها بالطبع حكاية أخرى!

وليم شكسبير الذى اعتبرته الأبحاث والدراسات أهم كاتب عرفه العالم فى الألفية الثانية، تم الاحتفاظ بكل متعلقاته الشخصية، وقبل سنوات ثار جدل واسع حول «غليون» شكسبير هل كان لاستعماله الشخصى أم شاركه فيه الآخرون؟!

جبران خليل جبران، هذا الفنان الكبير الذى كان يجمع بين موهبة الشاعر والفنان التشكيلى وحكمة الفيلسوف لم يتم الاكتفاء بأدبه سواء الذى كتبه بالعربية أو الإنجليزية، بل كل مقتنياته تم الاحتفاظ بها وبالطبع فلقد طبعت رسائله الغرامية التى أرسلها للأديبة اللبنانية مى زيادة فى كتاب، فهى بمثابة قطع ثمينة من الإبداع، والمنضدة التى شهدت إبداعه وأدوات الكتابة والفرشاة كلها مع الزمن أصبحت شهودًا على هذه العبقرية الاستثنائية، تحولت أيضًا إلى مزار أقيم له فى لبنان مسقط رأسه!

خطابات عبدالوهاب جزء من هذا الفنان الكبير، تستمد قيمتها من كونها صدرت عنه، ثم إن عبدالوهاب كلما استمعنا إلى أحاديثه الإذاعية والتليفزيونية، اكتشفنا أن بداخله أديبًا كامنًا اختار أن يعبر عن نفسه بالموسيقى والإيقاع!

على العكس من كل ذلك فإن السيدة الراحلة جيهان السادات كان لديها نظرة أبعد كثيرًا، احتفظت بالعديد من الرسائل التى تلقتها من أنور السادات فى مرحلة الشباب عندما كان مطاردًا ومطلوبًا للقبض عليه باتهامات سياسية، وتتابعت رسائله ورسائلها، طوال رحلتهما معًا، لم تجد جيهان السادات أن تسجلها بصوتها قبل بضع سنوات فى أحد البرامج.

نعم كل التفاصيل الصغيرة المتعلقة بكبار الشخصيات العامة السياسية والفنية ينبغى أن نحتفظ بها كشاهد على الزمن، وأيضًا علينا، أتمنى أن يحتفظ ورثة مبدعينا الكبار بكل ما تركوه لنا، والسؤال هو: متى تتحرك الدولة، لإنشاء متحف يضم عشرات من مقتنيات هؤلاء الكبار الذين أضاءوا حياتنا؟ فإذا كانت الراحلة نهلة القدسى قد استخدمت العطر الباريسى المفضل لموسيقار الأجيال فى حرق رسائله، فلقد اكتشفنا أن الرسائل المتبادلة بين أحمد زكى وعدد من أصدقائه قد تم إلقاؤها قبل عامين في سلة المهملات!