السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 مفارقة عبثية

مفارقة عبثية

 مفارقة غريبة ومدهشة تدعو إلى التأمل والبحث عن أسبابها وفك شفرتها وتحليلها اجتماعيًا وسياسيًا وتاريخيًا ونفسيًا.. وأعنى بها طرح سؤال يفرض نفسه بإلحاح.. ويحتاج إلى الإجابة عنه إجابة شافية.. وهو: لماذا كلما تحقق دولتنا التى تسعى إلى بناء وطن جديد وتنحو نحو تقدم وتطور ملموس فى جميع شئون حياتنا المعاصرة من خلال إنجازات حضارية شاملة.. لماذا بدلًا من أن نهفو إلى جنى ثمارها نسعى إلى مجابهتها بالسلب.. أو تحركنا إزاءها فى الاتجاه العكسى.. أو أسرعنا إلى تعطيلها أو الإجهاز عليها وعلى نتائجها الإيجابية المرجوة والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.. نلمسها ونتابعها ونرصدها فى حياتنا اليومية المعاشة.. 



لقد سعت ثورة يونيو بقيادة رئيس وطنى مخلص ودءوب إلى تحويل «شبه دولة» – كحد سابق تعبيره – إلى دولة عصرية مدنية حديثة ذات قامة سامقة.. فبادر بإقامة مشروعات نهضوية مؤثرة وسريعة التحقيق والتميز.. منها مثلًا تلك الثورة العاتية فى تشييد الكبارى المختلفة الممتدة وإعادة تطوير وإصلاح الطرق والمحاور والشوارع والميادين.. بل لقد تمت إعادة بناء مدن ومحافظات ومراكز وقرى فى شتى أنحاء البلاد.. وفى هذا الإطار بدأ تنفيذ المشروع العملاق المسمى بـ«حياة كريمة» الذى يشمل إعادة تشييد آلاف القرى والربط بينها وبين مراكز ومحافظات بطرق ممهدة فماذا كانت النتيجة؟ّ!.. لم يتوان الناس فى إلقاء المخلفات فى ترعها التى تم تنقيتها وإزالة شوائبها وتبطينها..

وأما فى مدينة القاهرة – ربما باستثناء شوارع وسط المدينة– فحدث ولا حرج عن فوضى الشوارع التى شملت الشوارع الرئيسية والجانبية والميادين والمحاور والأحياء والمناطق والضواحى.. فى ظاهرة مؤسفة تتفاقم تفاقمًا مرعبًا.. فالمتأمل للشوارع والطرق التى خضعت للتطوير الشامل بتوسيعها وزيادة عدد حاراتها والتى أصبحت بعضها لا تختلف بعد تطويرها عن شوارع أوروبا جمالًا ورونقًا وتحضرًا ما لبثت أن احتلت السيارات المركونة متجاوزة الحارة الأولى والثانية والثالثة على الجانبين.. ومن ثم لم يعد هناك سوى حارة واحدة لمرور السيارات؛ أى عادت لسابق عهدها قبل التطوير.. وبالتالى فإن التكدس المرورى عاد من جديد إلى الاختناق الذى كنا نعانى منه.. وكأن المشروع الكبير لزيادة عدد الحارات قد ولد ليجهض أو يغتال بواسطة الناس الذين كانوا يشتكون مر الشكوى من أزمة المرور.. ناهيك عن أن توسيع الشوارع قد أغرى اصحاب المقاهى والكافيهات وأصحاب الأكشاك والمحلات التجارية، بالإضافة إلى الباعة الجائلين والشحاذين وأطفال الشوارع وعابرى السبيل والمتنطعين ومنادى السيارات والمتحرشين – إلى ليس فقط احتلال الأرصفة – بل إلى احتلال الشارع نفسه.. وأصبح من الشائع أن تمتد صفوف المقاهى والكافيتريات والمطاعم المكشوفة إلى عرض الطريق.. ويتولى أصحابها تنظيم مرور السيارات فى الحارة الوحيدة.

وفى شوارع أخرى تكتظ فيها محلات الأيس كريم والحلويات والشاورمة ولعب الأطفال وتختلط فيها صفوف السيارات المركونة أمامها بصفوف المشترين والمرتجلين فى معزوفة رهيبة من الفوضى والضوضاء والغوغائية والعشوائية والاحتشاد الجماهيرى المروع.

فأى مفارقة عبثية تلك التى يتصارع فيها البشر ويتسابقون لوأد أحلام نهضة كبرى وإنجازات حضارية واعدة؟