الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فن كتابة السيناريو

فن كتابة السيناريو

فى مفاجأة سعيدة تقوم مجلتنا الغراء بنشر سيناريو وحوار فيلم (البوسطجى) فى حلقات مسلسلة وقد كتبه الروائى والصحفى الكبير «صبرى موسى» عن قصة بنفس الاسم للأديب الكبير  «يحيى حقى» نشرها فى مجموعته القصصية «دماء وطين» وعُرض الفيلم (1968) بطولة شكرى سرحان وزيزى مصطفى وصلاح منصور وإخراج حسين كمال، وقد تم تصنيفه فى المركز الثانى عشر ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية فى استفتاء النقاد.



تدور أحداث القصة فى ثلاثينيات القرن الماضى فى إحدى قرى الصعيد.. بطلها البوسطجى قادم من القاهرة لاستلام وظيفته كناظر لمكتب البريد يعانى من صراع بين تصوره للواقع الاجتماعى وتصور أهالى القرية المختلف لهذا الواقع، فبدا وكأنه يعيش فى عزلة اجتماعية قاسية ومملة ساعد على ترسيخها المعاملة السيئة التى تعرّض لها من قبَل عمدة القرية والأهالى.. يلجأ فى عزلته إلى فتح رسائل أهل القرية والاطلاع على فحواها بهدف كسر الإحساس بالوحدة والمَلل الذى يعيشه وكذلك الفضول لمعرفة خبايا وأسرار أهالى القرية.

يتابع البوسطجى من خلال الخطابات المتبادلة بين فتاة وشاب تفاصيل علاقة الحب التى تربطهما والتى تطورت إلى التورط فى ممارسة الجنس الذى أسفر عن حملها.. فناشدته فى خطاب لها سرعة التصرف لمعاودة الضغط على والدها الذى سبق أن رفضه.. لكن بسبب خطأ وقع فيه البوسطجى ينقطع خط الاتصال بينهما ولا يصل خطابها فيسفر ذلك عن افتضاح أمرها فتُقتل على يد والدها الذى يحملها ويسير بها فى أنحاء القرية بقامة منتصبة وكأنه يبرئ نفسَه من التستر على عارها أو أن يكون ديوثا سمح لابنته بالحب.. بينما ينهار البوسطجى ويشعر بالذنب فى خطأه فى إيصال الخطاب لحبيبها مما أدى إلى حدوث تلك الجريمة.. ويمزق باكيًا كل الخطابات التى بحوزته.

أسعدتنى تلك المبادرة بنشر السيناريوهات على صفحات المجلة فى سابقة حميدة تسفر عن اتجاه يثرى الثقافة السينمائية وتنمية الوعى الإبداعى عند القارئ فى تعريفه بهذا الفن الجميل.. فن كتابة السيناريو باعتباره فنًا قائمًا بذاته ولذاته له لغته الخاصة وأدواته ومفرداته التى تختلف تمامًا عن باقى أدوات ومفردات ولغة وشكل ومضمون وأساليب الفنون الأخرى ويختلف عن لغة السرد والوصف والحَكى عن فن الرواية والقصة القصيرة أنه فن الصورة المرئية ولغة البناء الدرامى الذى يشمل الاستهلال أو المقدمة المنطقية أو نقطة الانطلاق ورسم الشخصيات بأبعادها الاجتماعية والنفسية والإنسانية المختلفة.. وبناء الأحداث الدرامية وتصاعدها وإنشاء الصراع الداخلى والخارجى وصولاً إلى الذروة التى تُعَبر عن نتيجة هذا الصراع والغرض من الدراما.. التى تثرى وجدان وعقول ملايين المتلقين وتُعَبر عن أحلامهم وأشواقهم وهمومهم ومشاكل واقعهم المُعاش وقضايا مجتمعهم وتحولاته وصراع شخصيات تنتمى إلى شرائح اجتماعية مختلفة وتحمل أفكارًا متباينة وتصوغ حاضرًا وتصنع مستقبلاً.. وتتفاعل فى أحداث غنية لها معنى ومغزى ومضمون.. ولأن المفروض أن كاتب السيناريو فنان موهوب مثقف دارس أكاديمى يدرك أن كتابة السيناريو علم وفن وحرفة.. وهو إبداع فردى.. فالكاتب ليس مجرد (مُعد) أو (مترجم) أو ناقل لرؤية آخر؛ إنما هو مبدع خلاق.. صاحب رؤية وخيال ووجهة نظر.. وأيديولوچية فكرية وخبرات اجتماعية وثقافة موسوعية وطريقة فريدة خاصة به فى صياغة أفكاره وأحلامه وتصوراته وله ذائقة خاصة فى التعبير والطرح وأسلوب مميز لا يشبه غيره فى السرد المرئى والحوار الدرامى الذى تختلف مفرداته ولغته وبلاغه وبيانه وبديعه عن فنان آخر.. 

لذلك كله؛ فإن فن كتابة السيناريو مثله مثل فنون الرواية والقصة القصيرة والشعر والموسيقى والنحت والفن التشكيلى والتأليف المسرحى.. هو فن يبدعه فنان واحد (وليس ورشة بها رهط من الصبية يقودها أسطى) كما أن القصيدة يكتبها شاعر واحد والرواية يؤلفها روائى واحد وهكذا..

كل التحية والتقدير لتلك المبادرة الطيبة التى نرجو لها الاستمرار، وثمّة اقتراح أطرحه بهذه المناسبة، أن يسبق نشر السيناريو المختار تقديم نقدى يكتبه ناقد سينمائى متخصص يُلقى فيه الضوءَ على مناطق الإبداع والتميز فى السيناريو المنشور.