الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. جرائم مبارك التى لم يُحاسَب عليها

ع المصطبة.. جرائم مبارك التى لم يُحاسَب عليها

لأنهم يعتقدون أننا شعب ضعيف الذاكرة، كان من الطبيعى أن يخرج علينا جمال مبارك مُعلنًا الانتصار ومحاولًا تبرئة ساحة والده وتقديمه كضحية ومَلاك برىء.



المشكلة ليست فى جمال مبارك ومَن يسيرون خلفه، ولكن فى كيفية تكييف الاتهامات فى القضايا التى اتهم بها مبارك، فلقد تم ترك الجرائم الحقيقية التى ارتكبها مبارك ونظامه على مدار ثلاثة عقود، وتمسّكوا بتفاصيل مالية الجميع يعلم أنه من الممكن الإفلات منها بحيل قانونية عدة.

لم يحاكموا مبارك على جرائمه فى إفقار الشعب المصرى حتى صار أكثر من نصف المجتمع تحت خط الفقر، وضاعت فى عهده الطبقة الوسطى، وتغولت طبقات الأثرياء والإقطاعيين الجُدُد لتنهش فى ثروات الوطن وأراضيه.

لم يحاكموا مبارك على ملايين المصريين الذين وقعوا بفعل فاعل ضحايا فيروس «سى»، فى حين استطاعت الدولة من بَعده فى ثلاث سنوات فقط، القضاء على هذا الفيروس وتطهير المجتمع منه، بعدما تركهم نظام مبارك يعانون ويفقدون آباءهم وأبناءَهم بفعل هذا الفيروس، حتى إنه لم تكن هناك أسرة مصرية تخلو من مريض مصاب به.

لم يحاكموا مبارك على تردى التعليم وانهيار المنظومة الصحية، بعدما أصبح الدعم المقدم للطاقة، الذى يستفيد من معظمه الأثرياء، ضعف ميزانيتَى التعليم والصحة مجتمعتين، وأصبح خريج الجامعة نصف أمّى، لا يجيد كتابة سطرين بلغة عربية سليمة، والفصول الدراسية مكدسة بطلبة ينتقلون من مرحلة إلى أخرى دون فائدة معرفية ترجى، وكل ذلك بفعل فاعل.

أمّا المنظومة الصحية الحكومية، التى يفترض أنها توفر حياة كريمة للفقراء والمعدمين؛ فكان الداخل إليها مفقودًا والخارج منها مولودًا.

لم يحاسبوا مبارك على تدمير القطاع العام بدلًا من إصلاحه، ومن ثم تدمير العديد من الصناعات الوطنية والشركات الضخمة التى بيعت فى برامج الخصخصة «بتراب الفلوس»، وما أكثر هذه الحالات.

لم يحاسبوا مبارك ونظامه على احتضان جماعة الإخوان الإرهابية وعَقد الصفقات معها، واستخدامهم «فزاعة» فى وجه المصريين حتى يصمتوا على نظام مفسد، قضى على كل التيارات السياسية المدنية وأفرغها من مضمونها.

لم يحاسبوا مبارك على مئات المناطق العشوائية التى نمَت واتسعت رقعتها فى عهده حتى باتت قنبلة موقوتة تحزم القاهرة والعديد من المدن الكبرى، فى حين استطاعت الدولة خلال السنوات القليلة الماضية الحد من وصمة عار هذه العشوائيات والانتقال بسكانها إلى مدن جديدة تحترم آدمية المواطن المصرى.

لم يحاسبوا مبارك على جرائم نظامه فى قطاع الزراعة، انهار القطن وانهارت معه صناعة الغزل والنسيج المصرية، وفقدت مصر مركزها العالمى فى هذا القطاع، كما تدهورت زراعة القمح، وأصبحنا أكبر مستورد للقمح فى العالم، ناهينا عن فساد المبيدات الزراعية المسرطنة التى أنهكت جسد المواطن المصرى، كما ترك الرقعة الزراعية نهبًا للتجريف والتعدى عليها.

لم يحاسبوا مبارك على تركه مصر شبه دولة، وهو الذى تسَلم مقاليد الحُكم فى توقيت قريب من توقيت تولى مهاتير محمد مقاليد الحُكم فى ماليزيا، فبينما استطاع مهاتير النهوض بدولته المفككة شديدة الفقر متعددة الأعراق، أغرق مبارك مصر فى مستنقع الفقر والجهل.

لم يحاسبوا مبارك على تجريف الهوية المصرية، وارتفاع نسب الجهل والأمية إلى مستويات غير مسبوقة.

لم يحاسبوا مبارك على ما كان يتوجّب عليه فعله للنهوض بوطنه، لكنه تخاذل ولم يفعل، فقادة الدول لا يحاسبون فقط على ما فعلوه بل على ما تخاذلوا عن فعله.

كان الأجدر محاسبة مبارك سياسيًا، قبل أى فساد مالى آخر، فما فعله بمصر من إفقار وتقزيم لدورها، وتجريف لهويتها أخطر بكثير من أى فساد مالى يعرفه القاصى والدانى.

أخيرًا؛ فإن مشكلة جمال مبارك والأبواق التى تقف خلفه، تكمن فى اعتقادهم أننا شعب ضعيف الذاكرة، فى حين أن ما نحن به الآن من مشكلات هو نتاج لنظام مبارك، فتخريب دولة على مدار 29 سنة لن تمحى آثاره بين ليلة وضحاها.