السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
 ‏بـ «طلوع الروح»

‏بـ «طلوع الروح»

تصل المخرجة «كاملة أبو ذكرى» بمسلسلها الأخير (بطلوع الروح) الذى عُرض فى رمضان الماضى إلى ذروة من ذرى الإبداع الدرامى الخلاق من خلال سيناريو شديد الإحكام والسبك والحَبْك لكاتب سيناريو وحوار بازغ الموهبة هو الصحفى «محمد هشام عبية»، الذى يحقق فى أولى تجاربه ثمارًا ثمينة تشى بمستقبل واعد فى عالم المسلسلات التليفزيونية الذى يحتشد بالعشرات من ضعاف الموهبة وأرزقية المهنة من أرباب ورش الكتابة.. وهو يعتمد فى المسلسل على «مقدمة منطقية» أو «نقطة انطلاق» تمثل فى الوقت نفسه ذروة درامية وهى اختفاء طفل مع والده «أكرم» الذى أدى دوره محمد حاتم فى ظروف غامضة لتبدأ رحلة كابوسية مريرة تخوضها الزوجة «روح» (التى جسدتها منة شلبى) بحثًا عن طفلها الغائب.. لنفهم من خلال السرد أن عمر صديق الزوج (أحمد السعدنى) نجح فى خداع الزوجة واستدراجها مع الطفل ليدخلا إلى دولة الخلافة فى «الرقة».. كاشفًا عن رغبته المنحطة الدفينة فى النيل منها.. وهى التى حرمته من حُبه لها أثناء تزاملهما فى الدراسة بالجامعة الأمريكية وارتبطت بأكرم.



إن استخدام الدين ستارًا لتحقيق دولة الخلافة يخفى وراءه رغبات متدنية ووضيعة.. ويكشف عن تلك التصورات المريضة لماهية المرأة باعتبارها مخلوقًا جنسىًا خُلقت من أجل استمتاع الرجال بها انتظارًا لحور العين فى الجنة الموعودة للمجاهدين الإرهابيين.

استطاعت «كاملة أبو ذكرى» أن تقتحم معاقل ذلك التنظيم الشيطانى الغامض والمثير موظفة كل أدواتها الإبداعية فى كشف الأسرار وهتك الأستار وخَلع الأقنعة وفضح التناقضات فى رؤية فكرية وسياسية واجتماعية شاملة من خلال استخدام التعبير المرئى بعناصره المختلفة من إضاءة موحية وحركة كاميرا متلاحقة وتكوين كادر مُعَبر وزاوية تصوير وحجم لقطات تقترب فيها من تعبيرات الوجوه لتجسد توتراتها وانكساراتها وصراعاتها النفسية المحتدمة.. وحركة مثل وثابة.. وإيقاع لاهث متدفق.. واستخدام عنصرَى الزمان والمكان فى خلق الجو العام وحركة الأحداث فيما يسمى باللغة السينمائية التى تختلف فيها الصور المرئية عن فنون الرواية والقصة اختلافًا بينًا.. فتشكل بذلك فنًا قائمًا بذاته ولذاته يميزه عن السرد والوصف والحكى فى الأدب.. وقد نجحت «كاملة أبو ذكرى» فى الاستفادة من هذه العناصر الفيلمية فى الدراما التليفزيونية.. فهى فى الأساس مخرجة سينمائية قدمت كثيرًا من الأفلام المهمة- باعتبار أن كليهما– الفيلم السينمائى والمسلسل التليفزيونى يعتمدان على الصورة المرئية.. وأصبح التطور فى مفردات تكنيك الصورة فى التليفزيون لا يختلف عنه فى السينما. 

فإذا أضفنا إلى العناصر السابقة- وهذا ما برعت فيه كاملة أبوذكرى- الاحتفاء بالتفاصيل الصغيرة التى تتجاوز وتتشابك وتتقاطع لتؤدى فى النهاية إلى خلاصة الخلاصة فى المعنى والهدف النهائى للدراما المطروحة فإن ذلك يتم من خلال تلك التفاصيل بالرسم الجيد لإبعاد الشخصيات التى تصنع المواقف المختلفة وتقود قاطرة الدراما إلى الأمام فى اختزال واضح يخلو من الثرثرة والشرح.. وينحو إلى التجريد والتكثيف والدلالات الموحية التى تعبر عن نفسها دون اللجوء للشعارات الخطابية التى كان من الممكن أن تغرى المؤلف فى الانزلاق إليها.. وبالتالى فقد نجح الأداء المتميز لشخصيات المسلسل وعلى رأسهم «منة شلبى» التى قدمت أفضل أدوارها على الإطلاق بحساسية بالغة الرهافة والصدق الانفعالى فهزت قلوبنا واستولت على جماع مشاعرنا.