الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان من ترامب إلى بايدن..   المهاجرون بين سندان العنصرية ومطرقة الشرطة الأمريكية "6"

حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان من ترامب إلى بايدن.. المهاجرون بين سندان العنصرية ومطرقة الشرطة الأمريكية "6"

يصف قادة الولايات المتحدة بلادهم بأنها أمة من المهاجرين، ويعتبرها طالبو اللجوء أرض الأحلام والفرص، وهى صورة ذهنية مناسبة لنمط الحياة الأمريكية المغرية وفق تجسيدها فى دراما هوليود الجذابة، وتدفع بمزيد من المهاجرين واللاجئين إلى اختراق الحدود الأمريكية - المكسيكية من أجل الحصول على فرصة للحياة فى ذلك الواقع الجميل، ثم تتكسر كل تلك الأحلام على أرض الواقع الصعب ورصاص حرس الحدود ومطاردة عصابات الاتجار فى الأعضاء البشرية ثم الضياع فى الصحراء الشاسعة بلا طعام أو شراب ويتحول حلم الالتحاق بالجنة الأمريكية إلى جحيم.



بحسب تقارير حقوقية دولية فقد احتجزت الولايات المتحدة أكثر من 1.7 مليون مهاجر على حدودها الجنوبية، بينهم 45 ألف طفل، ولقى 557 شخصا حتفهم نتيجة التعامل العنيف وهو أعلى رقم منذ عام 1998، وتحدثت التقارير عن حالات مروعة من الاعتداء الجنسى والجسدى على طالبى اللجوء من جانب وكالات حكومية مثل الجمارك وحماية الحدود ودوريات الحدود الأمريكية.. وتسجل الوثائق أحداثا بين عامى 2016 و2021 تشمل مزاعم الإساءات الجسدية الجنسية واللفظية، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة، وظروف الاحتجاز القاسية، والحرمان من الرعاية الطبية، والمعاملة التمييزية عند الحدود أو بالقرب منها.

وبالرغم من أن الرئيس جو بايدن خاض حملته الانتخابية بناءً على برنامج يدعم المهاجرين، وهو ما شجع المزيد من المهاجرين على خوض هذه المغامرة، كما أدت أزمة كورونا لاستنزاف اقتصادات أمريكا اللاتينية، وضربت العاصفتان الاستوائيتان «إيتا» و«إيوتا» غواتيمالا وهندوراس والسلفادور فى أواخر السنة الماضية، مما أدى إلى تشرّد مئات آلاف السكان.

وتحدث بايدن عن المعاملة الإنسانية للمهاجرين وطالبى اللجوء، إلا أن السياسات الحدودية ظلت عنيفة وقاسية، بل ازدادت سوءًا، فيما تعرض بايدن لانتقادات بسبب الأوضاع على الحدود بسبب الحالة الفوضوية وكانت سببا فى تراجع نسبة تأييده.

معظم المهاجرين يرى أن اللجوء هو الطريقة الوحيدة التى تسمح للمهاجر بالدخول إلى الولايات المتحدة بطريقة قانونية إذا لم يكفله فرد من عائلته أو رب العمل، لكن لا ينطبق قانون اللجوء إلا على فئة ضيقة من الأفراد، وهم الهاربون من الاضطهاد لواحد من خمسة أسباب معترف بها: الانتماء العرقى، الدين، الأصل الوطنى، الرأى السياسى، الانتساب إلى جماعة اجتماعية معينة، وفى المقابل لن يحصل المهاجرون الفقراء على مبتغاهم إذا كانوا يسعون إلى تحسين حياتهم بل قد يواجهون فى الوقت نفسه العنف والفساد وسوء المعاملة.

قد أدى ارتفاع عدد طالبى اللجوء إلى زيادة أعباء المحاكم الأمريكية التى تُعنى بملفات الهجرة وتُصدِر الأحكام فى هذا النوع من القضايا، فاليوم، يبلغ عدد القضايا مستوىً تاريخيًا (1.46 مليون) ويرتبط نصفها تقريبًا بطلبات اللجوء، ويعنى ذلك الاضطرار لانتظار سنوات طويلة قبل انتهاء كل قضية، ويؤدى هذا التأخير كله إلى تأجيل البت بمصير طالبى اللجوء الوضع يُضعِف القدرة على تنفيذ الالتزامات القانونية المحلية والدولية بحق اللاجئين ويؤخر فرض النظام على الحدود.

صحيح أن بايدن قام بتعليق بروتوكولات حماية المهاجرين منذ أول يوم له فى السلطة، لكن داعمى هذا البرنامج دعوا إلى استئناف العمل به فى المحاكم، ثم أصدرت المحكمة العليا فى أغسطس الماضى حُكمًا لمصلحتهم، وكذلك تتابع الإدارة استعمال المادة 42 التى ترفض استقبال حوالى 60% من القادمين عبر المعابر الحدودية بحجة المخاطر المرتبطة بأزمة كورونا.

العجز الواضح فى تعامل الإدارة الأمريكية الممتد من عصر دونالد ترامب إلى بايدن مع المهاجرين وطالبى اللجوء يظهر جانب آخر من أزمة حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة وهى ذات أوجه متعددة أوضحها ما يحدث من انتهاك ضد حقوق الأمريكيين من أصل إفريقى وأيضا الأمريكيين من أصل آسيوى واستمرار ظاهرة العنصرية دون قدرة على المواجهة.

تجذر العنصرية فى المجتمع الأمريكى دفع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى دورته الـ43 إلى تبنى قرار لإدانة بشدة الممارسات العنصرية والتمييزية التى ترتكبها قوات إنفاذ القانون فى الولايات المتحدة ضد الأفارقة والأشخاص من أصل أفريقى، وأدان العنصرية الهيكلية فى نظام العدالة الجنائية .

وهى من المرات القليلة التى تتعرض فيها الولايات المتحدة لانتقادات الحقوقية من جانب أطراف دولية عديدة أرادت توجيه رسالة واضحة للولايات المتحدة أن تنتبه إلى حقوق الإنسان الأمريكى قبل أن تقدم دروسا فيها للآخرين، وهو أمر تزامن بشكل مدهش مع تولى إدارة ديمقراطية جديدة بقيادة جو بايدن اشهرت سيف حماية حقوق الإنسان فى وجه العالم منذ اليوم الأول لجلوسها فى البيت الأبيض.

تعانى الولايات المتحدة من تراث طويل للممارسات العنصرية مؤسسة على نظريات تفوق العرق الأبيض ويؤمن بها عدد غير قليل فى الولايات المتحدة، حيث تتبنى الجماعات القومية البيضاء أيديولوجيات انفصالية بيضاء، مبنية على الاعتقاد بأن الأفراد ذوى العِرق والأصل الأبيض هم أسياد على كل البشر من الأعراق الأخرى وقدى أدى هذا المفهوم إلى الكثير من الاعتداءات والعنف ضد الأمريكيين من أصل إفريقى.. وتجتذب تجمعات اليمين المتطرف بشكل متزايد الحركات الساعية للعنف، مثل «براود بويز» و«دى إى واى» ومجموعات تطلق على نفسها تسمية «ميليشيا المواطنين» لكنها تركز أكثر على نزاعها مع الحكومة والقوانين والضرائب، وأقل اهتماما بالقضايا المتعلقة بتفوق العرق الأبيض .

وفى أغسطس 2017 شاركت جماعات اليمين البديل والنازيين الجدد فى مظاهرة «شارلوتسفيل» بولاية فرجينيا الأمريكية،،  والتى شهدت اشتباكات بين مؤيدى اليمين والمناهضين لهم، وكانت المسيرة تسعى لتوحيد اليمين وتحركت احتجاجًا على إزالة تمثال لأحد جنرالات الحرب الأهلية الأمريكية كان مؤيدًا لاستمرار العبودية فى أمريكا إلا الحركات المناهضة للعنصرية اعترضت المسيرة بمظاهرة مما أسفر عن اشتباكات بالأيدى ومقتل سيدة وإصابة آخرين، وذلك عندما صدمت سيارة حشدًا من المعارضين للمسيرة.

فى مقابل الحركات اليمينية تتحرك مجموعات يسارية وأناركية وناشطون لتأييد الجماعات المدافعة عن الأمريكيين من أصل إفريقى، وانتهزت الانتشار الكبير لفيديو مقتل جورج فلويد على يد رجل شرطة أبيض فى مدينة منيابولس، والذى صورة مواطن بهاتفه الذكى واشتعال مواقع التواصل الاجتماعى بآخر كلمات فلويد وهى «لا أستطيع التنفس» وتحولها إلى شعار فى التظاهرات التى شارك فيها ما بين 15 إلى 26 مليون متظاهر، وانتشرت فى أكثر من 2500 مدينة أمريكية وتصدرتها حركة «حياة السود مهمة».

الواقع يقول إن الصراع السياسى بين الجمهوريين والديمقراطيين هو السبب الرئيسى لاستمرار العنف السياسى اليمينى فى الولايات المتحدة، وتعاظم خطره لعدم إعطائه الأولوية والتقاعس عن مواجهته إلى أن تم اقتحام مبنى الكابيتول، وإعلان المتطرفين اليمينين عن خططهم لمهاجمة الحكومة، وإنهم تدربوا على مهاجمة المؤسسات الفيدرالية من خلال مهاجمة حكومات الولايات، ومع خطورة تلك الجماعات إلا أن الحكومات الأمريكية تتجاهل خطرها ربما لاستغلال موجهاتها المتصاعدة سواء كان معها الشارع أو ضدها فى المعارك الانتخابية المتعاقبة.

ولاحظت دراسات سابقة أن العنصريين البيض نفذوا منذ عام 2018 هجمات قاتلة فى الولايات المتحدة، أكثر من أى هجمات أخرى لحركات التطرف المحلية كما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف بى آى» عام 2006، من سعى الجماعات المتعصبة للعرق الأبيض لتجنيد ضباط فى الشرطة واستغلال قوة الجهاز القانونية وتوافر الأسلحة الرسمية وما يتوفر لها من معلومات حساسة فى تنفيذ مخططاتهم.

وقد تم التعرف على ضباط شرطة فى فلوريدا وألاباما ولويزيانا كأعضاء فى مجموعات «تفوق البيض» منذ عام 2009، وأشارت دراسات إلى أن عددًا من الضباط الذين يتوزعون على 100 قسم شرطة فى 49 ولاية مختلفة، عثر لديهم على رسائل بريد إلكترونية أو نصوص أو تعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعى فى الإنترنت تتسم بالعنصرية، فيما أجرت السلطات فى واشنطن مراجعات أمنية حول توجهات عناصر الشرطة والحرس الوطنى الحرس الوطنى وانتهت إلى إقصاء 12 عنصرًا قبل حفل تنصيب الرئيس المنتخب.

حالة الانقسام المجتمعى فى الولايات المتحدة انعكست على تعامل وسائل الإعلام الأمريكية التقليدية مع قضية اليمين وخطورة الإرهاب المحلى الذى تمثله تلك الجماعات، فيما لعبت وسائل التواصل الاجتماعى دورا خطيرا للغاية فى تحويل الكثير من ناشطى اليمين إلى مؤثرين اجتماعيا وساهمت فى إيصال أفكارهم إلى آفاق أوسع للتأثير ومع تصاعد حالة التوتر فى المجتمع لجأت منصات السوشيال ميديا الكبرى مثل فيس بوك وتويتر إلى حجب وإزالة محتوى الكراهية اليمينى ووصل الأمر إلى مسح تغريدات الرئيس ترامب ومن ثم إغلاق حسابه نهائيا عقب الهجوم على الكابيتول وهو ما دفع ترامب إلى الإعلان عن إنشاء شبكة خاصة به وتوجيه مؤيديه إلى منصات أخرى وهو ما تسبب فى خسائر مادية مؤقتة لمنصات التواصل الكبرى.

والخطر على حالة حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة وتحديدا ضد المهاجرين والأمريكيين من أصل إفريقى وآسيوى ولاتينى يتزايد مع الأزمات الاقتصادية وتراجع معدلات التشغيل وفرص العمل، وارتفاع الأسعار والتضخم الذى يعصف حاليا بالاقتصاد الأمريكى واتساع الطبقات المتبنية لأفكار عنصرية موجهة ضد الآخر وتتداول أفكار مثل أن السود والمهاجرين يحصلون على وظائف بينما الأبيض عاطل، وعلى الجانب الآخر يرى الأفارقة أن هناك محاباة للبيض فى السيطرة على الوظائف وهى مادة متجددة للشحن العرقى، خاصة وأن كثيرا من الأسر الأمريكية تعانى حاليا من انخفاض الدخول.

فضلا عن أن حالة السيولة وعدم قدرة مؤسسات الأمن على تحديد العناصر المتواجدة فى الجماعات العنيفة المحلية مبكرا يهدد استقرار الولايات المتحدة على المدى الطويل ويعطى مؤشرا على عجز النظام السياسى القائم على الحزبين فى استقطاب هؤلاء الناشطين للعمل السياسى الشرعى كما يشكل الدستور الأمريكى عقبة أمام صدور أى تشريع يجرم خطابات اليمين المتطرف، حيث يحمى التعديل الدستورى حرية التعبير عن الرأى كما يحمى الدستور أيضا من يريد حمل السلاح النارى وهو ما يعطى بعدا دمويا لأى مواجهات يمكن أن تنشأ بين مجموعات اليمين واليسار فى المستقبل، وعدم قدرة قوات إنفاذ القانون على السيطرة عليها نظرا لوجود عناصر شرطية ومحاربين سابقين فى القوات المسلحة فى صفوف اليمين، ورغم أن السيناريو التشاؤمى حول الحرب الأهلية مطروح إلا أن مؤسسات الدولة لازالت بعيدة عن مواجهة تفشى العنصرية وكراهية الأجانب رغم أنه أخطر ما يواجه يهدد كيان ومستقبل الولايات المتحدة.