السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

حكايات من بهية.. من قلب المعاناة يُولد الأمل بعيون مبدعة.. محاربات سرطان الثدى يواجهن المرض بالإبداع

«كانت أكثر أمنياتى أن أستكمل عامًا على الأكثر مع أسرتى وقلت فى نفسى «سنة بالكثير وخلاص»؛ لكن كان للقدر أقوال أخرى» كلمات تخطر على بال كل مريضة بسرطان الثدى حينما تعلم بإصابتها.  فالمرض بالنسبة لها يعنى الوفاة، ولا أمل فى العلاج. وتكون على استعداد لملاقاة الموت فى أى لحظة؛ لكن من قلب المعاناة يُولد الأمل، وفى رحلة العلاج تتحول الظروف والأحوال ويُكتب لكَ قدر جديد. فى جولة داخل مستشفى بهية لعلاج أورام الثدى التقينا بهن، نساء من كافة أنحاء الوطن العربى استطعن تحويل الألم إلى إبداع، وتغلبن على المرض بالعمل والإنتاج كل هذا تحت لواء واحد.



 

 اكتشاف الذات

تحكى السيدة سمر عيد 48 عامًا محاربة سرطان عن رحلتها مع المرض قائلة: «عرفت منذ 4 سنوات أننى مصابة بالسرطان. اكتشفت عن طريق الصدفة وجود ورم فى الثدى، فأرشدنى بعض الأشخاص إلى مستشفى بهية لتلقى العلاج بشكل آمن ومجانى أيضًا. فجئت والتقيت بالأشخاص هنا وحصلت على معاملة جيدة ورحيمة. خضعت للفحص على أيدى الأطباء، وحددوا لى ميعادًا للعملية. قام الطبيب باستئصال كلى  للغدد  والثديين، ثم حصلت على الكيماوى وعلى الإشعاع وما زلت تحت العلاج حتى تلك اللحظة. كانت أصعب لحظة بالنسبة لى حينما دخلت إلى البيت متعبة بعد العملية مع زوجى، ولم يكن أطفالى على علم بالأمر فرأيت الصدمة والخوف المصحوبة بالحزن فى أعينهم».

تضيف السيدة سمر «أنا لست حزينة بل أنا سعيدة وراضية بقضاء الله أنا ما زلت فى وسط العلاج، وسأقول إن أحلى أيام مرت عليا هى أيام المرض لأننى أكون فى معية الله، ودائمًا أقول لعله خير. كما أننى أعدت اكتشاف ذاتى مرة أخرى. فحينما علمت أن المستشفى يقدم فرصة للمحاربات أن يقومن بتنمية مهاراتهن كنوع من الدعم النفسى من خلال المعارض والمسابقات التى يتم توفيرها اشتركت فيها وعدت لممارسة فن الكروشيه والأعمال اليدوية التى كنت أزاولها منذ كنت فى عمر 10 سنوات، ووفرت لى بهية معارض لبيع منتجاتى وسأظل أقول دائمًا لعله خير». 

 السرطان لا يعنى الموت 

لم تكن سمر الوحيدة التى استطاعت التغلب على صعوبة المرض بالعمل والإبداع فتقول السيدة أمل على حسن محاربة سرطان فى الستينيات من العمر: «لى خمس سنوات أقاوم المرض وما زلت حتى الآن لم يأذن الله لى أن أتعافى منه. فمن كثرة خوفى من المرض اكتشفته متأخرًا. كنت فى المرحلة الرابعة حينما اكتشفت إصابتى بسرطان الثدى نظرًا لعدم اهتمامى بالذهاب للطبيب عند شعورى بالتعب. عند معرفتى بالأمر كانت أكثر أمنياتى أن أستكمل عامًا على الأكثر مع أسرتى وقلت فى نفسى «سنة بالكثير وخلاص»؛ لكن كان للقدر أقوال أخرى وما زلت أواصل رحلتى مع مرض السرطان والحمد لله أستكمل علاجى. وصلت الآن لمرحلة الهرمونى والعلاج الموجه وهو يُعتبر من أحدث أنواع العلاج لمرضى سرطان الثدى وحالتى فى تحسُّن مستمر».

تضيف السيدة أمل «كانت أصعب لحظة مررت بها حينما كنت على وشك الخضوع لنوع جديد من أنواع الكيماوى الذى يؤدى لتساقط الشعر وتغير الشكل بعد 3 سنوات من العلاج العادى. نصيحتى لكل سيدة أن تذهب للكشف المبكر عند شعورها بأى أعراض لأنها ستفرق كثيرًا فى العلاج. والحمد لله نسب الشفاء عالية جدًا. فالسرطان لا علاقة له بالموت؛ لكنه مثل أى مرض عادى نُعالج منه ونشفى منه».

وتؤكد السيدة أمل على دور الدعم النفسى فى مساعدتها على التحلى بالأمل قائلة «الدعم النفسى فى مستشفى بهية جميل جدًا فأنا شاركت منذ فترة فى عدد من الرحلات وعلمت عن المعارض والمسابقات التى تُقام هنا لتنمية مهارات المحاربات وشاركت بتقديم الطعام كجزء من موهبة أحبها فوظفت مهاراتى وقدراتى للمشاركة فى مسابقة إعداد الطعام. ويعتبر أهم ما يميز طعامى هو أنه طعام بيتى «معمول بحب» يشبه أكل الأم والجدة قديمًا. ونحن الآن نفتقد هذا النوع من الأكل ونعتمد فقط على الأصناف السريعة».

 من فلسطين إلى مصر يتجدد الأمل

ومن القاهرة إلى فلسطين تروى لنا السيدة انتصار موسى الشيخ محاربة سرطان فلسطينية رحلتها مع سرطان الثدى قائلة: «منذ ما يقرب من سنتين شعرت بألم فى جسدى كله، كانت ابنتى حينها تدرس فى كلية الطب ووجدت عندى إفرازات دم فقالت لى «يا ماما ده سرطان». كان زوجى حينها على فراش المرض ممسكًا بيدى ويطلب منى ألا أتركه بمفرده فلم أستطع تركه والذهاب لتلقى العلاج، إلى أن تُوفى رحمه الله. وبعد وفاته ذهبت إلى الطبيبة التى أخبرتنى بدورها أننى فى المرحلة الثانية من المرض، وطلبت منى المجيء إلى مصر لتلقى العلاج. عندما جئت أرشدتنا سيدة تسكن بجوارنا إلى مؤسسة بهية الخيرية. كنت أخشى ألا يتم قبولى لأننى فلسطينية وعلى عكس توقعاتى جئت وخضعت مباشرة للفحوصات؛ لكننى كنت أعانى من الاكتئاب لأننى لا أعلم شيئًا عن المرض سوى أن من يُصاب به يموت. وابنتى وحيدتى ليس لها غيرى، وكانت تبكى بشدة حينما كنت أذهب للحصول على جلسة الكيماوى. وفى الجلسة التالية ذهبنا فى رحلة مع الدعم النفسى وهناك التقيت بسيدة أخبرتنى أنها تتلقى العلاج الكيماوى والإشعاعى والهرمونى منذ 5 سنوات وهى الآن تتلقى العلاج الهرمونى فقط. سعدت كثيرًا وتجدد فيا الأمل. فهى لها 5 سنوات وهى بخير حال.

شعرت كأننى كنت محبوسة فى قفص وعادت لى الحياة، ورغبت فى التعبير عن فرحى بالرسم الذى أحبه. فخرجت لشراء الفرش والألوان وبدأت فى الرسم وطلبت من المشفى التطوع معهم فى عمل ورشة رسم. كنت أقوم بالرسم على التيشيرتات وطلبت منهم أن يأخذوها ويقوموا ببيعها لدعم المؤسسة. لم أعد مهتمة بالعلاج كالسابق، وأصبحت أتعامل معه على أنه مجرد برد. كنت آخذ الإشعاعى وآتى مباشرة على ورشة الرسم لكى أرسم أنا والمحاربات، وأحصل على محاضرات الدعم النفسى. حصلت على 15 جلسة إشعاعى لم أشعر بالمرض أبدًا والحمد لله الآن بدأت فى الهرمونى».

تضيف السيدة انتصار «كانت لحظة حصولى على الكيماوى هى أصعب لحظة مرت عليا لأنه يؤثر على الجسد كله؛ ولكن بالدعم النفسى وحينما تكون نفسيتك مرتاحة كل هذا سيمر وستصبح ذكريات. أهم شيء الابتعاد عن الكآبة والحزن لأنها تقلل المناعة».

فيما تقول أمل على 26 عامًا ابنة السيدة انتصار «الحمد لله أولًا وأخيرًا على كل شيء. فما قد حدث لأمى جعلنى أتخصص فى جراحة الأورام، وعلمت مدى صعوبة هذا المرض لأننى عشته بتفاصيله ليس مجرد التعامل مع حالات مريضة كونى طبيبة. وهو ما جعلنى أقدم أنا ورفاقى خدمات تطوعية بشكل أكبر، وأتطوع لمساعدة المحتاجين دون مقابل فهذا المرض تحديدا ليس للمتاجرة.»

 التحلى بالتفاؤل والرضا بالقدر

ومن فلسطين إلى عروس البحر المتوسط «الإسكندرية» تروى هبة سعيد أحمد 42 عامًا حكايتها مع السرطان وتقول «اكتشفت إصابتى بسرطان الثدى شهر يونيو الماضى عن طريق الصدفة. حينما كنت أطبق الكشف المنزلى على نفسى. فلم يكن هناك أى شيء ظاهرًا حتى قبل اكتشافى للأمر بأسبوع. كما أننا ليس لدينا فى الأسرة عنصر الوراثة للمرض. وفى أحد الأيام اكتشفت الأمر فذهبت لعمل التحاليل وعلمت أننى أصبت بالكانسر. بعد أن تأكدنا من الأمر قررنا المجيء إلى القاهرة لمستشفى بهية لتلقى العلاج.

وعندما جئت قام الأطباء بإعادة التحاليل والأشعة مرة أخرى، ورسموا لى خطة للعلاج. خضعت للعملية أولًا ثم بدأت فى العلاج بالكيماوى وسار كل شيء بشكل جيد فأنا ما زلت فى بداية المرض. فمنذ بداية مرضى ألهمنى الله الصبر، وحينما عرفت بالأمر رضيت وكنت أضحك؛ وعلى الرغم من أننى كنت فى بداية رحلتى للعلاج؛ فإننى كنت أقوم بتقديم الدعم النفسى لأى امرأة أراها مقبلة على العلاج وخائفة وكنت أقول لها «مفيهاش حاجة ده كأنه دور برد» على الرغم من أننى فى البداية مثلها كنت أردف قائلة «أنا مش عارفة بقولك إية بس أدينا بنشجع بعض»؛ لكن كانت أصعب لحظة مرت عليا هى حصولى على الكيماوى. كنت خائفة من دخوله لجسدي؛ لكن تبين لى لاحقًا أن الأمور بسيطة. فعند حصولى عليه أشعر بالألم ولا أشعر أننى على طبيعتي؛ وبعد مرور أسبوع يمر كل شيء وكأنه لم يكن». 

وتضيف السيدة هبة «أكثر ما كان يهمنى فى بداية المرض هم أولادى الثلاثة فأنا لى ثلاثة من الأبناء الصغار فى أعمار 6 و11 و15 عامًا يحتاجوننى. صغارى لا يعلمون شيئًا عن الأمر؛ لكننى أخبرت ابنتى الوسطى عن إصابتى وأخبرتها أنه شيء آخر لكن أعراضه شبيهة وهى واعية ومدركة. مرت عليا الكثير من اللحظات الصعبة؛ لكننى تخطيتها بفضل الله، وكانت أسعد لحظاتى أثناء فترة العلاج عندما علمت عن مبادرات بهية لدعم مهارات المحاربات. فأنا أقوم بعمل مشغولات يدوية من الخرز منذ سنوات؛ لكننى انشغلت عنها تدريجيًا بعد الزواج مع الانشغال بأمور الحياة والأولاد وما إن علمت قررت المشاركة بمهاراتى والعودة لممارسة الأشغال اليدوية. وكان الأمر بالنسبة لى ممتعًا، فأنا حينما آتى للعلاج عادة آتى من سفر، وأكون سعيدة كأننى قادمة لرحلة. فى ذلك الوقت شعرت أننى لست قادمة للعلاج فقط؛ ولكن لشيء آخر أيضًا وأنوى المشاركة بشكل دائم فى المبادرات والمسابقات. ولقد تم إطلاعنا أنه سيتم توفير معارض لبيع منتجاتنا بالطبع سأشارك فيها وأكمل مسيرتى فى العمل. وأقول لأى امرأة اكتشفت إصابتها بالسرطان إنه ابتلاء من ربنا، والاستعانة بالله تهون الكثير وستمر وكأن شيئًا لم يكن».

 التحلى بالعزيمة والرضا بقضاء الله 

لم يتوقف تقديم الدعم المعنوى لمحاربات مرض السرطان على مستشفى بهية فتحكى السيدة نرجس إحدى محاربات مستشفى بهية تجربتها مع المرض وكيف تحول إلى طاقة للإنتاج قائلة «تغيرت 180 درجة بعد إصابتى بمرض السرطان، فأنا علمت بإصابتى عام 2017 وبينما كان الجميع يحتفل بعيد الأضحى المبارك كنت أواجه صدمة المرض وبدلًا من الشعور ببهجة العيد شعرت أسرتى بالحزن والقلق، وقمت بإجراء العملية فى يوم 15إبريل 2018، لم تتوقف صدمتى على إصابتى بالمرض ولكن بعد مرور شهرين على بداية رحلة العلاج استقبلت خبر وفاة زوجى الداعم الأول لى منذ اليوم الأول لمعرفتى بخبر إصابتى، ولكن الحمد لله أن أنعم الله عليا بنعمة كبيرة أن عاد شكلى كما كان بعد فترة من خضوعى لعلاج الكيماوى وبدأ يسألنى الجميع ماذا كان هناك؟». 

وتستكمل السيدة نرجس حديثها قائلة: «أهم شيء فى المرض هو القبول والرضا بقضاء الله حينها ستشعر أن كل الأمور ستمر حينما تستند على الله . أنا الآن وصلت لمرحلة العلاج الهرمونى فى مستشفى بهية وتطوعت فى جمعية عطاء السماء التى كانت بمثابة الدعم المعنوى لى. تعلمت بها شغل الحرف اليدوية وبدأت أنتج مفارش وخلافه. الجمعية تقدم الدعم للمحاربات أمثالى بتوفير المادة الخام وتدريب السيدات الراغبات فى تزويد الدخل الخاص بهن من خلال توفير ورش تدريب وتسويق المنتجات الخاصة بهن. الجمعية كانت توفر لى كل المواد الخام دون مقابل مادى وتبيع منتجاتى وأحصل منها على أموال مقابل مجهوداتى.

تلك ليست القصص الوحيدة، فلا يزال هناك العديد من القصص والحكايات لمحاربات مرض سرطان الثدى استطعن التغلب على المرض بالأمل والانتاج.

وكانت الإعلامية عبير الشيخ قد أعلنت فى احتفال «ميس بهية» الذى أُقيم فى ديسمبر الماضى أنه من المقرر عمل بازارات مستمرة لمحاربات بهية لعرض منتجاتهن فى المراكز التابعة لوزارة الشباب والرياضة لتسويق منتجاتهن وتشجيعهن، وأعربت عن رغبتها فى عمل تمكين اقتصادى للمحاربات بالتعاون مع وزارة التضامن الاجتماعى من خلال إلحاقهن بالمعرض الدائم للأسر المنتجة وتدريبهن على كيفية عمل مشاريع، وبالفعل شاركن فى معرض تراثنا. وأكدت أنه فى الفترة القادمة سيكون هناك تعاون أكبر لتدريب المحاربات على كيفية عمل مشاريع وإدارتها ومساعدتهن فى التسويق من البداية حتى يكنّ قادرات على إدارة مشروعاتهن ذاتيًا. وأكدت أنها فى خضم مباحثات مع الدكتورة مايا مرسى رئيسة المجلس القومى للمرأة لدراسة ما يمكن توفيره لمحاربات السرطان فى الفترة المقبلة.