الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان هل أفسد الغرب مصداقية الأمم المتحدة باستخدامها ضد روسيا؟  "3"

حقك.. حرب الشرق والغرب على حقوق الإنسان هل أفسد الغرب مصداقية الأمم المتحدة باستخدامها ضد روسيا؟ "3"

مع بداية العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، سعت الحكومات الغربية إلى استخدام آليات الأمم المتحدة، سواء مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمحاصرة روسيا ومعاقبتها فى إجراء قوى لإجبارها على التراجع عن تلك العملية، وهو ما فتح الباب للمقارنة بين ما تتعرض له روسيا من عقوبات وحصار وبين الصمت الدولى تجاه ما قامت به الولايات المتحدة والغرب فى كوسوفو وأفغانستان والعراق وغيرها من المناطق التى شهدت تدخلات عسكرية غربية وصمتًا أمميًا.



الصراع بين الغرب والشرق حول أوكرانيا حول الهيئات الحقوقية الدولية إلى ساحات صراع مستعرة، ومحاولات هيمنة غربية من أجل تحويلها إلى أدوات عقابية ضد الدول التى لا تدور فى الفلك الغربى، وهى إصابة مباشرة لمصداقية المؤسسات الدولية وأفقدتها الحياد المطلوب للتعامل مع كل الانتهاكات الحقوقية بشكل متساو.

ما حدث فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ليس الأول من نوعه، فقد شهد المجلس انسحابًا سابقًا من الولايات المتحدة فى أيام حكم دونالد ترامب اعتراضًا على تعامل المجلس مع الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ثم عادت لعضوية المجلس مع تولى الرئيس جو بايدن.

ومجلس حقوق الإنسان هو هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة ويعمل على تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها فى جميع أرجاء العالم، والمجلس لديه القدرة على مناقشة جميع القضايا والحالات المواضيعية لحقوق الإنسان التى تتطلب اهتمامه طوال العام، ويعقد اجتماعاته فى مكتب الأمم المتحدة بجنيف.

وقبل أعوام انطلقت تحذيرات عدة ضد هيمنة الرؤية الغربية لحقوق الإنسان على أعمال المجلس، وهو ما أسمته بعض المنظمات والخبراء المستقلون بتسييس عمل المجلس حيث يتجاهل المجلس أى انتهاكات تقوم بها الدول الغربية بينما تظهر مواقف المجلس القوية ضد دول الشرق وتحديدًا روسيا والصين.

المثير أن المجلس حينما ناقش ملف حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة العام الماضى نال انتقادات عديدة من داخل الولايات المتحدة، وظهرت عملية تشكيك فى عمله بعدما تلقت الولايات المتحدة 347 توصية، من بينها العديد من التوصيات الدولية التى اتفقت على وجود مظاهر لانتهاكات عديدة لا تتعامل معها الحكومة الأمريكية بجدية؛ مثل تنامى جرائم التمييز والعنصرية فى المجتمع الأمريكى ضد المواطنين من أصول إفريقية وعربية.

وكانت من المرات القليلة والنادرة التى تتعرض فيها الولايات المتحدة لمثل تلك الانتقادات الحقوقية من جانب أطراف دولية عديدة أرادت توجيه رسالة واضحة للولايات المتحدة بأن تنتبه إلى حقوق الإنسان الأمريكى قبل أن تقدم دروسًا فيها للآخرين، وهو أمر تزامن بشكل مدهش مع تولى إدارة بايدن التى أشهرت سيف حقوق الإنسان فى وجه العالم منذ اليوم الأول وصدور تقرير الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان فى العالم والراصد لانتهاكات حقوق الإنسان من وجهة نظر الخارجية الأمريكية.

أعطى ذلك المشهد حينها انطباعًا بأن السحر قد انقلب على الساحر؛ فالولايات المتحدة تمارس التدخل فى الشئون الداخلية للدول عبر حقوق الإنسان، وتستغلها كأداة للضغط السياسى، وترد عليها الدول بنفس الطريقة مع رصد نادر لانتهاكات حقوق الإنسان فى الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة.

وكانت المراجعة الأخيرة للولايات المتحدة قد بدأت فى يناير 2020 بإنشاء مجموعة عمل تتألف من ثلاثة أعضاء تم اختيارهم عشوائيًا فى مجلس حقوق الإنسان وهى ألمانيا وجزر الباهاما وباكستان. وتم تكليف مجموعة العمل بمسئولية تجميع المعلومات من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإقليمية وجماعات المجتمع المدنى وتضمينها فى تقرير نهائى صدر فى ديسمبر.

وتضمن التقرير أيضًا توصيات من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بشأن الإجراءات التى يعتقدون أنه يتعين على الولايات المتحدة اتخاذها لتحسين سجلها. وبينما يحق للولايات المتحدة قبول التوصيات أو رفضها فإنها يتم تضمينها جميعًا فى التقرير النهائى والذى يشكل سجلًا دائمًا. وفى عام 2015، دعمت الولايات المتحدة (كليًا أو جزئيًا) 75% من 343 توصية تم تقديمها خلال المراجعة السابقة الخاصة بها.

وأوصت الصين الولايات المتحدة بمكافحة التعصب الدينى المتزايد والعنف الناجم عن كراهية الأجانب. أما إيران فقد انتقدت الولايات المتحدة لاغتيالها قاسم سليمانى، وانضمت روسيا إلى المراجعة الدورية لسجل الولايات المتحدة فى مجال حقوق الإنسان، حيث دعت الولايات المتحدة إلى ضمان حرية التعبير وحرية الإعلام، وخلق ظروف عمل آمنة للصحفيين.

اللافت أن مراكز الأبحاث الأمريكية رفضت تلك الانتقادات، ووصفت عملية المراجعة الدورية الشاملة بالعملية المعيبة التى تؤدى إلى معادلات أخلاقية خاطئة، إذ يتم الحكم على ديمقراطيات مثل الولايات المتحدة على قدم المساواة مع أنظمة وصفتها بالاستبدادية مثل كوبا والصين.

ودعت تلك المراكز إدارة بايدن إلى العمل على ما أسمته إصلاح منظومة المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان والتى انطلقت عام 2006، لمتابعة وفاء كل دولة بالتزاماتها وتعهداتها فى مجال حقوق الإنسان وتتكرر كل خمس سنوات، وتخضع فيها كل دولة من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة البالغ عددها 193 للمراجعة الدورية الشاملة، على أساس دورة تناوبية.

فيما دعا تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنترست» إلى إصلاح عملية المراجعة الدورية الشاملة، ومراجعة نهج العضوية. وأشارت إلى أنه مع اعتزام إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن الترشح لانتخابات مجلس حقوق الإنسان العام المقبل، هناك طريقتان يجب على بايدن أن يدعمهما من أجل إصلاح المجلس:

أولًا: يجب أن تحدد الجمعية العامة للأمم المتحدة عضوية مجلس حقوق الإنسان من خلال التصويت بنظام الاقتراع العلنى، وليس الاقتراع السرى كما هو الحال حاليًا؛ نظرًا لأن إجبار الدول على الإعلان عن أصواتها يمكن أن يثنيها عن دعم المنتهكين ويؤدى إلى وجود بعض المساءلة فى البنية التحتية لحقوق الإنسان الأممية.

ثانيًا: يجب أن تكون هناك معايير أساسية لعضوية المجلس، وأن توضع على أساس نتائج تقرير الحرية العالمية السنوى الصادر عن مؤسسة «فريدوم هاوس» والذى يقدم من وجهة نظرها نهجًا موضوعيًا قائمًا على الأدلة لتصنيف الدول بناء على مدى إتاحتها للحقوق السياسية والحريات المدنية.

وبعد وضع معايير العضوية، يجب على المجلس تمكين مجموعات العمل التى تقوم بعملية المراجعة الدورية الشاملة من فرض عملية تدقيق لتوصيات الدول الأعضاء. وهذا يشمل تطوير معايير صارمة لتحديد ما إذا كانت التوصيات صالحة أو ينبغى إلغاؤها بسبب المصالح السياسية لأى دولة. وأشارت المجلة إلى أن إصلاح المجلس لن يكون سهلًا؛ فقد حاولت الإدارات السابقة وفشلت.

الغريب أن مراكز الأبحاث الأمريكية تعاملت مع الانتقادات الحقوقية الدولية الموجهة للملف الحقوقى الأمريكى بطريقة مغايرة لما تطالب به دول العالم حينما تتلقى مثل تلك التوصيات الدولية، حيث تدعو دائمًا إلى تطبيقها بشكل فورى وتهاجم من يرفضها لأسباب تخصه، بل رفضت من الأساس أن تحاسب الولايات المتحدة ووضعتها فى مرتبة أعلى من الدول الأخرى فى الأمم المتحدة، وهو ما يخل بمبدأ التكافؤ والمساواة بين الدول أمام أجهزة الأمم المتحدة.

ولم تكتفِ بذلك، بل دعت إلى تغيير قواعد اللعبة داخل الأمم المتحدة بوضع معايير للعضوية تضمن أن توجه الولايات المتحدة اللوم للدول الأخرى دون أن تتلقى ملاحظة واحدة على ملفها الحقوقى، ناهيك عن تحديدها مؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية القريبة من الخارجية الأمريكية لتكون هى من يحدد الدول الحرة والديكتاتورية. وهو مقياس مخل بكل معايير الأمم المتحدة ويحمل تجرؤًا سافرًا على دور المفوضية السامية لحقوق الإنسان المعنية بقياس التقدم فى مجال حقوق الإنسان داخل كل دولة وفق معايير اتفق عليها العالم عند إطلاق آلية المراجعة الدورية الشاملة.

ما طرحته مراكز الأبحاث والتفكير من خطط لتغيير شكل آلية المراجعة الدورية الشاملة يحمل كثيرًا من الخطورة على الوضع الدولى، ويسمح بمزيد من توجيه وتسييس الملف من قبل الولايات المتحدة بتحويل تلك الآلية إلى سلاح تشهره فى وجه دول لا تدور فى فلكها، أو تفرض على دول أخرى قيمًا اجتماعية لا تقبلها، وهو أمر يفرغ الآلية من مضمونها، ويضعف خطط التطور المتدرج لمنظومة الحقوق والحريات داخل غالبية دول العالم واستقرت عليها الأمم المتحدة عند وضع تلك الآلية لتحقيق تقدم فى حقوق الإنسان كهدف من أهداف الألفية.

تغير المشهد كثيرًا حينما قرر الغرب مناقشة تعليق عضوية روسيا، وظهور رفض من جانب حوالى 40 دولة ما بين رفض صريح وامتناع عن التصويت، وكانت من بينها مصر التى عرضت لرؤية قوية لرفض عملية الاستخدام السياسى من جانب الغرب للهيئة الأممية لما ينطوى عليه ذلك التوجه من إهدار للغرض الذى أنشئت من أجله المنظمة ووكالاتها وأجهزتها، وتأثيره الخطير على مصداقيتها وللعمل الدولى متعدد الأطراف.

رفضت مصر بشكل كامل وقوع أى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وشددت على ضرورة مواجهة مثل هذه الخروقات الجسيمة بشكل حاسم وفقًا للآليات الأممية لكنها أكدت أن قرار تعليق عضوية روسيا يمثل منعطفًا خطيرًا فى مسار منظمة الأمم المتحدة على مدى عمرها حيث إن ثقة العالم فى المنظمة الدولية مبنى على أساس احترام المنظمة لميثاقها وقواعدها وإجراءاتها ونظام عملها لكن الممارسات الغربية الأخيرة تهدد دورها فى صيانه الأمن والسلم الدوليين.

وأشارت مصر بوضوح لخطورة استمرار المعايير المزدوجة والكيل بأكثر من مكيال، فكم من المرات تم الاكتفاء بقرارات أقل حسمًا وأكثر تساهلًا إزاء انتهاكات لحقوق الإنسان واضحة فى ماض ليس بالبعيد.

ما حدث مع روسيا يحتاج إلى إعادة نظر فى المنظومة الأممية ووضع آليات لوقف تسييسها وحماية مصداقيتها وحيادها حتى لا تتحول إلى أداة عقاب سياسى وما يتبع من ذلك من عواقب سيئة وخطيرة على قدرة المنظمة الدولية فى ملاحقة حقوق الإنسان بشكل مجرد ونزية ومقبول من كل الدول.