الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«نزار» فى معبد الحب

«نزار» فى معبد الحب

«أعطنى جيشًا من العشاق وأنا أستطيع أن أغزو به العالم كله»



العبارة السابقة لأفلاطون فى إطار حديثه عن الحب.. مبررًا فحواها أن العاشق لديه قضية يدافع عنها.. وهو قادر على التضحية من أجلها حتى بنفسه.. لأنه يريد الأمان لحبيبته ويريد أن يمنع أى دمعة قد تنسال من عينيها إذا تعرضت لأزمة أو موقف صعب.. ويريد لهذه الحبيبة أن تبتسم دائمًا فى رضا وسعادة.. ومن هذه الأشياء الصغيرة البسيطة فى عالم الحب – ترتقى المجتمعات.. ولنتصور مثلًا مجتمعًا خاليًا من الحب تقوم فيه العلاقة بين الرجل والمرأة على الإجبار والتسلط والعنف والأساليب المادية الخالصة من كل معانى الفن والجمال.. مثل هذا المجتمع لا بد أن يكون مجتمعًا متوحشًا لا مجتمع بشر لهم قلوب ومشاعر.. يقول الناقد الكبير «رجاء النقاش» فى كتابه البديع «ملكة تبحث عن عريس» ولنتصور أسرة خالية من الحب.. إن مثل هذه الأسرة تكون الحياة فيها بمثابة حرب أهلية متصلة يحاول كل طرف فيها أن ينتصر على الطرف الآخر ويلحق به الهزيمة.

وما أكد المحنة التى يمكن أن تعيش فيها مثل هذه الأسرة فكل من فيها يتربص بالآخرين ولا تتحقق فيها السعادة إلا بهزيمة طرف فى مواجهة الطرف الآخر.. وإذا كانت هناك صورة قوية للحزن والتعاسة لا تدانيها صورة أخرى فإن هذه الصورة لن تكون إلا صورة إنسان مهزوم.. والهزيمة فى المشاعر أشد قوة وعنفًا من أى هزيمة فى المال أو فى جانب من جوانب الحياة المادية.

وفى كتاب «مائة رسالة من الحب» لـ«نزار قبانى» يقول فىإحداها «عندما قلت لك أحبك.. كنت أعرف أننى أقود انقلابًا على شريعة القبيلة وأقرع أجراس الفضيحة.. كنت أريد أن أستلم السلطة لأجعل غابات العالم أكثر ورقًا.. وبحار العالم أكثر زرقة.. وأطفال العالم أكثر براءة.. كنت أريد أن أنهى عصر البربرية.. عندما قلت لك أحبك كنت أعرف أننى أخترع أبجدية جديدة لمدينة لا تقرأ وأنشد أشعارى فى قاعة فارغة.. عندما قلت لك أحبك كنت أعرف أن المتوحشين سيتعقبوننى بالرماح المسمومة. وأن صورى ستلصق على كل الحيطان.. وأن بصماتى ستوزع على كل المخافر.. وأن جائزة كبرى ستمنح لمن يحمل لهم رأسى ليعلق على أبواب المدينة.. عندما كتبت اسمك على دفاتر الورد.. كنت أعرف أن كل الأميين سيقفون ضدى.. وكل الدراويش والطرابيش وكل العاطلين بالوراثة عن ممارسة الحب ضدى.. عندما قررت أن أعلن «دولة الحب» تكونين أنت ملكتها.. كنت أعرف أن العصافير وحدها ستعلن الثورة معى»..

والحقيقة أن «نزار قبانى» شاعر فريد جعل من الحب موضوعًا له خلال خمسين سنة متصلة.. والحب عنده هو بداية الحياة وهو ستار النهاية.. وهو حديقة الورد التى لا غنى عنها.. وإذا تعرض الإنسان للحرمان منها يكون قد خسر أجمل معانى الحياة وأكثرها عمقًا وإنسانية.

إن ما جذبنى لمعاودة قراءة الكتاب إحساسى المتضخم بالمفارقة التى نعيشها فى هذا الزمن اللعين وبين الماضى الجميل الذى صرت أشتاق إليه شوقًا عاصفًا مصحوبًا بأسى عميق لتبدل الأحوال وزوال دولة الحب وسيادة عصر الكراهية والفرقة وازدراء الآخر.. لقد أصبح الحاضر كابوسًا مقيتًا ومرعبًا يخرج الإنسان المعاصر من رقيه وتحضره ويجرده من فكره وعقله وعواطفه ومن حبه للآخر.

ما أروع رسائل الحب تلك التى تعيدنا إلى زمن الحب الجميل.. فنتوهم فى أضغاث أحلامنا والتى أخشى أن تتحول إلى هلاوس سمعية بصرية تشى بمرضنا النفسى – تمهيدًا لأن يعم صوت الحب فى أرجاء البلاد ويضم فى أحضانه البشر.. كل البشر.. مبشرًا بـ«يوتوبيا» جديدة يسودها الحب والوئام وشفافية الروح.. وعطر الأحباب..ورحيق الوله والهيام.. ولهيب الأشواق.. وعذاب الفراق.. ولهفة اللقاء.. وذوبان الحب فى المحبوب.