السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تنشر توجهات وأفكارًا تخالف صحيح الدين التريندات الدينية حرب بالوكالة لاحتلال العقول

«تريندات الفتاوى» مسمى جديد ظهر على الساحة من خلال كثرة الموضوعات الدينية المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى، إلا أن تلك الفتاوى اتخذت منعطفًا خطيرًا عقب نشرها توجهات تحمل فكرًا غير مطابق لحقيقة الدين وتدّعى زورًا أنها من صحيح الدين.



 

 مخاطر تلك التريندات دفعت دار الإفتاء من خلال المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع للدار والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم لإصدار دراسة جديدة توضح أننا نعيش حاليًا حروبًا إلكترونية، وصولًا إلى ما يسمى فى الوقت الحالى بـ (التريندات) التى باتت تسوق الرأى العام سوقًا من خلال الفتاوى والموضوعات، وما تثيره من تعليقات وردود ثم ردود على الردود.. إلخ.

وأوضح المؤشر العالمى للفتوى أن أكثر من (٪90) من موضوعات وفتاوى (التريندات) تهدف الآن إلى احتلال العقول بدلًا من الأراضى دون جيوش أو عتاد، كما أنها تعد بمثابة حروب بالوكالة أو «حروب جيل سادس» تشبه إلى حدٍّ كبير ما حدث على منصات التواصل الاجتماعى المختلفة فيما سُمى بـ(ثورات الربيع العربى) عام 2011 فى عدة دول عربية، والتى حرّكتها دعوات ومطالبات ومظاهرات أثبتت فيما بعد أنها كانت ممولة من أجندات خارجية عبر المنصات الاجتماعية.

وحول كيفية تعامل دار الإفتاء المصرية مع التريندات، أشار مؤشر الفتوى إلى أنه بعد متابعة متأنية لما طرأ على الساحة الدينية العالمية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، سواء الفتاوى التى صنعت تريندات، أو الموضوعات التى استدعت إصدار فتاوى مُلحّة، وأحداث أخرى تجاهلتها الفتوى؛ خلصت دار الإفتاء المصرية فى هذا الجانب إلى أنه لا بدّ من الانتباه لأمرين مهمين، أولهما: أن مواكبة التطورات، لا سيما التكنولوجية والرقمية منها، أمرٌ من الأهمية بمكان للمؤسسات الدينية والإفتائية، والأمر الثانى: أنه يجب مراعاة فقه الواقع والأولوية ومصلحة الأمة الحالية عند إصدار فتوى حول الموضوعات أو الأحداث التى تثير البلبلة وتؤدى إلى زعزعة الثوابت والأفكار وحيرة الناس، وذلك بعد كثرة التساؤلات المرتبطة بهذه الموضوعات، دون اللهاث وراء كل تريند، وإنما بهدف اتخاذ قرار فى هذه الحالة أو إصدار بيان يوضح الأمر الذى يشغل الأذهان مستندًا إلى فتوى شرعية مؤصلة وفق منهجية علمية اجتهادية عصرية.

مؤشر الفتوى دلل على ذلك بفتوى دار الإفتاء المصرية الخاصة بتزوير شهادات لقاح كورونا، والتى نالت الكثير من الإشادات والترويج على جميع المنصات الاجتماعية المصرية والعربية فى الوقت نفسه؛ كونها خرجت فى الوقت المناسب تمامًا ولامست الناس وأوقفت الشقاق المثار، حيث أكدت دار الإفتاء أن «تزوير الشهادات المُثْبِتة لَتلقِّى لقاح «فيروس كورونا» مُحرَّمٌ شرعًا؛ لما اشتمل عليها من كَذِبٍ ومفاسد عِدَّة، ويقع به الإثم على صاحبها، وعلى مَن زوَّرها له».

كما أكدت أن الطبيب المزوِّر لشهادة تلقى لقاح كورونا يُعدّ شاهد زور، وخائنًا للأمانة بسبب تساهله فى كتابة مثل هذه التقارير الكاذبة مع عِلْمه بعدم صحتها وعدم مطابقتها لواقع التشخيص الصحيح للشخص، هو مِن صور شهادة الزور وخيانة الأمانة التى يأثم صاحبها شرعًا، حيث أصّلت دار الإفتاء للفتوى السابقة من الناحية الشرعية، وراعت الزمان والمكان والحاجة، واستدلت بأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة مستخدمةً إياها فى سياقها الصحيح.

 تريند خفى 

وحلّل مؤشر الفتوى بعض تريندات الفتاوى والموضوعات الدينية عربيًّا وعالميًّا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مشيرًا إلى أن نسبة (٪47) منها كان بهدف صنع «تريند خفى»، وكان أبرز مثال على ذلك فيلم (أصحاب ولا أعز) الذى بثته منصة «نتفيليكس» الأمريكية وأثار الكثير من الجدل عبر وسائط التواصل الاجتماعى، وتناولت بعض الفتاوى ما جاء فى الفيلم من أحداث، فيما تناولت فتاوى أخرى حكم مهنة الفن ومتى يكون مباحًا وغير مباح.

ورصد مؤشر الفتوى أبرز ردود الفعل التى تفاعلت مع هذا التريند، والتى أجمعت على أنه لا تعارض بين الإبداع وبين المحافظة على الدين والقيم والأخلاق، وحثت على أن المحافظة على الفضائل والثوابت والقيم والأخلاق ليست حجر عثرة فى طريق الإبداع، محذرة مما يسمى بالإبداع المطلق من كل قيد دينى أو أخلاقي؛ لما يمثله من خطورة على الثوابت الدينية والمجتمعية وخلق جيل مشوه العقل والفكر والدين.

ونتيجةً لما سبق خرج المؤشر بملاحظتين: الأولى أن بعض المنصات التى تعرض أعمالًا فنية مثل «نتفليكس» دأبت على تقديم نماذج مرفوضة دينيًّا واجتماعيًّا فى سياق درامى لترسيخ بعض القيم المرفوضة دينيًّا واجتماعيًّا فى ذاكرة متابعيها وقبولهم على المستوى الاجتماعى مثل القبول بالخيانة الزوجية والشذوذ، وهذا ما أطلق عليه المؤشر (التريند الخفى) وحذر منه؛ لأنه يرسخ لقيم مرفوضة اجتماعيًّا ودينيًّا بصورة غير مباشرة، كالترويج للمثلية والخيانة على سبيل المثال فى بعض الأعمال الدرامية.

أما الملاحظة الثانية فهى أن المؤسسات الدينية، كدار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف تتفاعل بصورة مباشرة مع تريندات مواقع التواصل الاجتماعى حين تتعرض تلك التريندات للثوابت الدينية والوطنية.

وانتقل المؤشر إلى التريندات العالمية التى ظهرت على منصات التواصل الدولية مؤخرًا، حيث مثّل موضوعا (حظر الحجاب) و(منع بناء المساجد) فى فرنسا على سبيل المثال أبرز برامج الانتخابات الرئاسية المقبلة، واعتبر المؤشر أن هذين الموضوعين شكّلا أيضًا «تريند خفى» تمثّل فى استغلال ظاهرة الإسلاموفوبيا سياسيًّا؛ بدليل تغريدات مرشح اليمين المتطرف للانتخابات الرئاسة «إريك زمور» والتى تضمنت حظرًا تامًّا لحجاب المرأة المسلمة فى الساحات العامة، بالإضافة إلى منع بناء المآذن والمساجد، فضلًا عن حظر إطلاق اسم «محمد» على المواليد الجدد من المسلمين.

وقد حلل مؤشر الفتوى أسباب نشر التريندات بشكل عام، مشيرًا إلى أنها إما أن تكون بهدف نشر محتوى معين بين الناس، سواء كان اجتماعيًّا أو سياسيًّا أو دينيًّا، بهدف إثارة الشائعات وتشويه الحقائق.، أو تحويل موضوع تافه إلى قضية ساخنة شائكة فى دولة معينة وتوقيت معين بهدف سحب المتابعين إلى منطقة قد تؤدى إلى التشكيك فى المؤسسات أو الدول أو الشخصيات، أو نشر تريندات وهمية والتى تفتعلها صفحات وجهات مزيفة.

 «مُدّعى النبوة».

وأوضح مؤشر الفتوى أن التريندات السلبية ذات الهدف الاقتصادى جاءت بنسبة (٪35) وكان أبرزها موضوع مُدَّعى النبوة اللبنانى «نشأت مجد النور»، وأشار المؤشر إلى أن إثارة مثل تلك القضايا لا يخرج عن عملية استقطاب أو نصب إلكترونى مُتعمد هدفه يسير نحو اتجاهين الأول: قد يكون اقتصاديًّا وماليًّا بحتًا، وهو استغلال رفض الناس لمثل تلك الأفعال، وبالتالى كسب «التريند» على صفحات التواصل الاجتماعى لتحقيق أرقام ومكاسب مالية، والاتجاه الثانى: قد يكون سياسيًّا لإلهاء فئة كبيرة، لا سيما «الشعب اللبنانى»، عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية التى يعانيها لبنان، لذا حذر المؤشر من الانسياق وراء البعض وصناعة «التريندات السلبية».

وعرض المؤشر العالمى للفتوى ما يسمى بـ «التريندات الوهمية» عبر السوشيال ميديا، والتى جاءت بنسبة (٪18)، حيث بين أن مصدرها إما تزييف بعض الفتاوى والتقوّل والتحدث باسم جهة إفتائية رسمية، ومن ذلك تداول حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى خبرًا مفاده أنّ دار الإفتاء المصرية قالت إنّ مهرجان الجونة يمثل سماحة الإسلام، ويتماشى مع تجديد الخطاب الدينى، وبالتحقيق من الخبر المتداول تبين أنّه مفبرك؛ حيث لم يصدر أيّ تصريح عن دار الإفتاء المصرية بهذا الخصوص، ولم تُعلّق على فعاليات مهرجان الجونة.

وأوضح المؤشر أن المصدر الثانى من مصادر التريندات الوهمية: يتمثّل فى اختيار المصدر الصحفى الناقل للفتوى عنوانًا مثيرًا أو غريبًا سعيًا للتريند، وذلك اجتزاء للفتوى المذكورة وخروجها من سياقها الصحيح لإثارة الرأى العام. ومن أمثلة ما سبق صياغة المصدر الصحفى لعنوان الفتوى التالى: (مفتى الجمهورية: لا حرج شرعًا فى التيمم للصلاة فى البرد الشديد جدًّا)، وقد انتشر العنوان السابق بسرعة كبيرة على جميع وسائل التواصل الاجتماعى المصرية وغيرها، لدرجة أوصلته للتريند؛ وهو ما قوبل بالعديد من التساؤلات حول كيفية التيمم فى ظل وجود وسائل كثيرة لتسخين المياه، وأنه إذا وجد الماء بطل التيمم.. إلخ.. وبالنظر إلى ما قاله فضيلة المفتى نصًّا وتأصيل الفتوى من الناحية الشرعية، وجد المؤشر أنها فتوى صحيحة ومؤصلة، وأن تمامها هو «لا حرج شرعًا فى التيمم للصلاة فى البرد الشديد جدًّا مع عدم وجود وسيلة لتسخين الماء خوفًا من المرض أو التهلكة إذا توضأ المسلم بالماء البارد»، وهو ما لم يتضمنه العنوان الصحفى الذى كان هدفه إثارة البلبلة والرأى العام فقط دون البحث والاستقصاء.

 المرأة والتريندات 

وتطرق مؤشر الفتوى إلى نقطة مهمة أخرى؛ وهى مدى وجود المرأة على خريطة تريندات الفتاوى والموضوعات الدينية عربيًّا وعالميًّا، حيث قدم المؤشر تحليلًا لتلك الفتاوى والموضوعات التى أثارت جدلًا على السوشيال ميديا خلال الفترة الأخيرة، وخلص إلى أن نحو (٪90) منها جاءت سلبية وضد المرأة، كما أنها مثّلت عودة لما قبل عصر التكنولوجيا والسماوات المفتوحة.

وقال المؤشر: من ذلك على الصعيد العربى تعليق الداعية السلفى المصرى حاتم الحوينى على موجة الطقس البارد التى ضربت مصر فى الفترة الأخيرة، رابطًا ذلك بـ«عدم التزام السيدات بالزى الشرعى»، وكتب حاتم الحوينى على «فيسبوك» قائلًا: «الشتاء أكثر رجولة من بعض الذكور، لأنه يجبر النساء على ستر المكشوف».. ولاقى منشوره تعليقات معارضة له ولخطاب السلفيين بشكل عام، فقد أبدى نشطاء كُثر على السوشيال ميديا تركيز الخطاب الدعوة السلفى فى معظمه على كل ما يخص المرأة من ملبس ومأكل ومشرب وزينة..إلخ.

وعالميًّا، وفق رصد مؤشر الفتوى، أثارت التصريحات الحديثة للنائبة البريطانية من أصل باكستانى «نصرت غنى» بشأن إقالتها من منصبها كوزيرة للنقل فى عام 2020 جدلًا كبيرًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي؛ بسبب كونها «امرأة مسلمة»، وقد حازت التغريدة التى نشرتها النائبة على صفحتها الرسمية على موقع تويتر ما يقارب من 21 ألف تفاعل، خاصة أنها كانت أول مسلمة تتقلد منصب وزيرة منذ عام 2015.

وأوضح المؤشر أنه فى أفغانستان ومع وصول حركة «طالبان» إلى الحكم، فرضت الحركة العديد من الإجراءات والقيود على النساء، كحظر السفر لمسافات طويلة بمفردهن، ومنعهن من العودة إلى وظائفهن، وحظرهن أيضًا من استخدام وسائل النقل العام بمفردهن.. وقد انتقد أكثر من (٪90) من مرتادى السوشيال ميديا الأفغان التعامل العنصرى لحركة طالبان وسياساتها التى أصبحت تُشكل عقابًا جماعيًّا على النساء، وترتكز على التمييز والممارسات الضارة والتحيز القائم على النوع.

وفى هذا السياق أيضًا، خرج المؤشر بنتيجة مفادها أن فئة النساء هى الفئة التى تضررت أكثر بسبب التريندات ومخاطر التكنولوجيا الحديثة محليًّا وعالميًّا؛ ودلّل على ذلك بانتحار الفتاة المصرية «بسنت» بسبب ابتزازها إلكترونيًّا عبر نشر صور مفبركة لها على المنصات الاجتماعية، وعالميًّا بإغلاق تطبيق إلكترونى هندى يعرض فتيات مسلمات للبيع.