الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك.. تعديلات قانون السجون تقفز بأماكن الاحتجاز للمعايير العالمية حياة كريمة تصل لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل

حقك.. تعديلات قانون السجون تقفز بأماكن الاحتجاز للمعايير العالمية حياة كريمة تصل لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل

تعكس موافقة البرلمان على تعديل قانون السجون، بما يحمله من تغييرات طالت الشكل والمضمون، وجود إرادة سياسية واضحة من جانب مؤسسات الدولة المصرية لتطبيق سياسة عقابية جديدة تنتهجها مصر ضمن منظومة الإصلاحات الموجودة فى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وهى ثمرة حوارات داخلية تمت بين الدولة ومنظمات حقوق الإنسان وتؤكد النهج الذى تسير فيه الدولة المصرية منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى لتوطين مفهوم حقوق الإنسان وإحداث تغييرات جذرية تدعم نشر ثقافة حقوق الإنسان فى المجتمع المصرى.



الواضح من فلسفة القانون الاتجاه نحو مد مفهوم الحياة الكريمة ليصبح متاحًا لكل المصريين بمن فيهم نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، وأى مواطن مصرى فى أى مكان داخل أو خارج مصر، وهو ما تواكب أيضًا مع إعلان الرئيس السيسى عن أن عام 2022 هو عام المجتمع المدنى، وبدأ بعدم مد قانون الطوارئ وبدء تطبيق منظومة إصلاحات متكاملة لتحقيق حقوق الإنسان بشقيها المدنى والسياسى والاقتصادى والاجتماعى عبر مسارات متوازية تُشارك فيها أجهزة الدولة مع منظمات المجتمع المدنى. 

وقد وافق مجلس النواب بالإجماع على مشروع القانون المقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 396 لسنة 1956 فى ضوء التقرير المقدم من اللجنة البرلمانية المشتركة من لجنة الدفاع والأمن القومى ومكتب لجنة التعليم والبحث العلمى.

واستهدفت تعديلات القانون استبدال وإضافة بعض العبارات والكلمات، وذلك فى إطار خطة الدولة لتطوير المؤسسات العقابية من حيث مسمياتها، وأبنيتها، وإدارتها وهو ما يهدف إلى ترسيخ قيم ومبادئ حقوق النزلاء بها، وتوفير الحماية المجتمعية لهم، وإصلاحهم وإدماجهم بالمجتمع، والاستفادة من تأهيلهم فى برامج وخطط التنمية عن طريق دعم حقوق النزلاء التعليمية باستكمال دراستهم لمن لديهم الرغبة وأداء الامتحانات المقررة عليهم داخل مراكز الإصلاح والتأهيل العمومية، وتشجيعهم على الاطلاع، واستهدف القانون رعاية وتأهيل المحكوم عليهم اجتماعيًا وثقافيًا وذلك بتنفيذ العقوبات المقيدة للحرية فى مراكز الإصلاح والتأهيل طبقًا لأحكام القانون وخضوعها للإشراف القضائى، كما استجاب القانون لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى الدعوى رقم 49 لسنة 30 ق. دستورية والذى يقضى بوجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه.

اللجنة قالت: إن مشروع القانون جاء فى إطار سعى الدولة لإعادة تحديث الهياكل التنظيمية للقطاعات والإدارات الرئيسية بوزارة الداخلية ومسايرة التطورات الحديثة فى هذا المجال لتتوافق مع طبيعتها ومقوماتها، وكذلك الاهتمام بتطوير سياسات التنفيذ العقابى كأحد مظاهر تقدم الشعوب وتطور الأمم، لكونها تعبر عن الارتقاء بمعاملة المودعين بالسجون، والتى تهدف من خلالها إلى دحر خطورتهم الإجرامية وإصلاحهم وتأهيلهم اجتماعيًا وثقافيًا وإعادة اندماجهم ضمن مكونات المجتمع الإنسانى.

وكان من اللافت استهداف القانون لتغيير مسمى السجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل عمومية أو مراكز إصلاح جغرافية أو مراكز إصلاح وتأهيل خاصة وتغيير اسم السجناء إلى نزلاء ومأمورى السجون إلى مديرى مراكز تأهيل وإلغاء كلمات سجون وليمانات حيثما وردت بالقانون.

وتضمن القانون حقوقًا جديدة للنزلاء مثل تسليمهم المذكرات والمكاتبات شخصيًا، وذلك تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية وحقهم فى استكمال تعليمهم والمشاركة بالامتحانات، وهو ما يُشير إلى البدء فى التطبيق العملى لخطة الدولة لتطوير المؤسسات العقابية من حيث المسميات والمبانى وتوفير جميع الخدمات والرعاية للنزلاء لتأهيلهم اجتماعيًا وإدماجهم فى المجتمع والاستفادة من قدراتهم، من خلال برامج وخطط التنمية ومراعاة حقوقهم.

هذه التغييرات لا تعكس تغييرًا فى التعامل مع السجناء فقط، ولكن تؤكد أن ذهنية القائمين على التشريع ورجال الأمن قد تشبعت بمفاهيم حقوق الإنسان التى تدرس فى ضمن المناهج التعليمية لرجال الشرطة والقضاء ويتم تدريبهم عليها باستمرار، كما يُشير إلى الطفرة التى يعيشها قطاع السجون، وحسن معاملة النزلاء، التى باتت ملحوظة فى الآونة الأخيرة وجاءت الموافقة على تعديل قانون تنظيم السجون، لتؤكد ذلك التوجه.

وكان التطور البارز فى التعديلات هو منح النزيل الحق فى استكمال التعليم من خلال حضور الامتحانات، وإذا كان الامتحان عمليًا ويتطلب الذهاب إلى مقر الجامعة يتم توصيله حتى يتم امتحانه ويعود، وإذا كان السجين غير قادر على دفع مصاريف التعليم، تقوم مصلحة السجون بدفعها له.

وعلى مستوى أماكن الاحتجاز نفسها تطبق مصر خطة تهدف إلى تحويل كل السجون إلى مراكز للإصلاح والتأهيل المجتمعى، وهو ما تم فى منطقتى وادى النطرون ومدينة بدر، وعبرهما ودعت مصر صورة السجون النمطية، وما نسجته حولها الدراما والتقارير الحقوقية «المسيّسة» من صور قاسية ومخيفة، وتنتقل إلى آفاق أخرى تحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وتتخطى تلك المعايير، لتصنع نموذجًا مصريًا معبرًا عن فلسفة عقابية جديدة تتبناها الدولة المصرية فى سياق تنفيذها للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى أطلقها الرئيس السيسى، وعبرت عن انحياز الجمهورية الجديدة لحقوق الإنسان بمفهومها الشامل والمستمد من قيم المجتمع المصرى.

ورأينا فى مركز الإصلاح والتأهيل، قرار الدولة المصرية بتحويل فترة العقوبة من نهاية الحياة إلى فرصة ثانية فى الحياة للمحتجزين، وتحويلها إلى فترة للاستثمار فى البشر، وإعادة تأهيل الإنسان إلى الحياة عقب الخروج بتعليمه الحرف اليدوية والفنون ومحو أميته، بل يمكنه الإنفاق على أسرته من خلال عمله بمناطق التأهيل والإنتاج، حيث تمتد داخل المركز مساحات الزراعات المفتوحة والمصانع والورش الإنتاجية، ويتم بيع منتجات المركز فى الأسواق والمعارض، ويتم تخصيص العائد المالى للنزيل وتوجيه هذا العائد حسب رغبته، فإما تحويل العائد أو جزء منه لأسرته أو الاحتفاظ به عقب قضاء العقوبة.

ومركز الإصلاح والتأهيل فى وادى النطرون، كان الأول بين 12 مركزًا يجرى العمل بها بعد إغلاق 12 سجنًا تمثل %25 من إجمالى عدد السجون العمومية فى مصر، والعمل يتم بها دون أن تتحمل الموازنة العامة للدولة أية أعباء لإنشاء وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، لا سيما أن القيمة الاستثمارية لمواقع السجون العمومية المقرر غلقها تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز، وهى نظرة معتبرة من جانب الدولة لإنجاز تلك المراكز بهذه الجودة العالية دون إزهاق الموازنة العامة.

وعلى المستوى الرمزى، قررت الدولة التخلص من عبء مسمى أو مصطلح السجون إلى مركز للإصلاح والتأهيل، بل تعديل مسمى قطاع السجون ليصبح «قطاع الحماية المجتمعية»، وهى إشارة بالغة الدلالة على عزم الدولة المصرية على ترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان، بل تقدمت وزارة الداخلية بمشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون السجون والقوانين ذات الصلة لتحويل السجون إلى مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعى. ولتلك التعديلات أهمية كبيرة فى تأسيس السلام الاجتماعى وتقليل المخاطر الأمنية على المدى الطويل، وتتخلص مصر من فكرة أن تتحول فترة السجن الصعبة إلى مفرخة للمجرمين عقب الخروج، والعمل على تمكين النزلاء من الاندماج الإيجابى فى المجتمع عقب قضائهم فترة العقوبة من منطلق أحقية المحكوم عليهم بألا يعاقبوا على جرمهم مرتين حتى لا تتوقف الحياة بهم وبأسرهم عند ذنب اقترفوه.

ما تشهده أوضاع الاحتجاز فى مصر من تطورات إيجابية يجب ألا تكون محلاً للتشكيك أو التندر أو السخرية كما يحلو لبعض الموتورين على وسائل التواصل الاجتماعى، بل هى فعل إيجابى يجب تحية القائمين عليه، بل تعتبر دليلًا على احترام الدولة لكل المصريين وعزمها على توفير الحياة الكريمة للجميع وإنهاء فكرة الوصمة الاجتماعية التى تلتصق بالمحتجز لتصبح فرصة جديدة للحياة.