الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1/2.. عندما تكذب الوثيقة

كلمة و 1/2.. عندما تكذب الوثيقة

مع رحيل الكاتب الكبير يسرى الجندى وجدت أكثر من خبر يُشير إلى أنه يحمل بكالوريوس إعلام، جامعة القاهرة، ولأنها معلومة خاطئة تمامًا، بدأت أبحث عن سر انتشارها فاكتشفت أن الخبر مصدره واحدة من الموسوعات التى استسلمنا لها، مثلما -مثلاً- تشير أكثر من موسوعة إلى أن راقية إبراهيم شقيقة نجمة إبراهيم وهو أيضًا خطأ شائع مع الأسف.



ليس كل ما هو مدون حقيقى، دائمًا هناك أكاذيب مع مرور الزمن صارت مُصدّقة أكثر من الحقيقة، وعلى الجانب الآخر هناك حقائق مسكوت عنها والكثير من التفاصيل ربما نكتشفها بعد مرور السنوات وفى لحظات عديدة فى التوقيت الخاطئ، بعد أن يغيب شهود الإثبات.

أتذكر بعد رحيل أديبنا الكبير نجيب محفوظ اكتشفنا أن لدينا فيلمًا شهيرًا وهو «شباب امرأة» الذى شارك فى مهرجان (كان) عام 55 وأخرجه صلاح أبوسيف، ولعبت بطولته تحية كاريوكا وشكرى سرحان وشادية، كلنا كنا نعتبر أن نجيب محفوظ مشارك فى كتابة السيناريو لأنه فى كل أحاديثه كان ينسب له هذا الفيلم، ولم نلحظ أن على (التيترات) لا يوجد أبدًا اسم نجيب محفوظ وسألت وقتها المخرج توفيق صالح وهو أصغر أصدقاء نجيب محفوظ والذين كانوا يطلقون عليهم (الحرافيش)، قال لى: إن السيناريو بالفعل شارك فيه نجيب محفوظ، ولكن لحساسية علاقته وقتها بكاتب القصة السينمائية أمين يوسف غراب، والذى كان أيضًا كاتبًا روائيًا، وجد نجيب أنه من الأفضل ألا يكتب اسمه صراحة فى التيترات، وفى مذكرات صلاح أبوسيف التى حققها قبل عامين الكاتب الكبير عادل حمودة أكد أبوسيف أن محفوظ بالفعل كتب السيناريو وأوضح كل الملابسات.

المخرج الكبير كمال الشيخ قال لى فى تسجيل تليفزيونى أجريته  معه قبل رحيله ببضعة أشهر: إن فيلم «الصعود للهاوية» الذى لعب بطولته محمود ياسين ومديحة كامل ومنسوب إلى الكاتب الكبير صالح مرسى، بينما الحقيقة أن الكاتب رأفت الميهى هو الذى أعاد كتابته كاملاً، إلا أنه لم يستطع أن يضع اسمه على التيترات نظرًا لحساسية القضية التى يتناولها الفيلم التى استندت إلى ملفات المخابرات.

وتظل هناك العديد من الوقائع الشائكة التى اختلط فيها الشائع بالحقيقة، مثل أغنية العيد الشهيرة (ياليلة العيد أنستينا)، تأليف أحمد رامى وتلحين  رياض السنباطى، الكثير من المراجع الموسيقية تُشير إلى أن الشاعر بيرم التونسى، والملحن الشيخ زكريا أحمد لهما نصيب وافر فى تلك الأغنية.

هناك أيضًا حكايات أخرى مثل ما ذكره الموجى فى حياة عبدالوهاب أن لديه بصمات على لحنين شيرين لعبدالوهاب (أحبك وأنت فاكرنى) و(حبيبى لعبته الهجر والجفا)، الكاتب الكبير بهجت قمر كثيرًا ما كان يكتب من الباطن العديد من الأفلام والمسرحيات، بل يعيد صياغة الحوار كاملاً، ولكنه لا يكتب اسمه ويكتفى بالحصول على مقابل مادى فقط.

القضية ليست بالطبع حديثة، بل فى العالم كله ويطلقون عليه «كاتب الظل»، ولكنه من يوصف بذلك هو من يمارس فعل الإبداع من الباطن مقابل أجر، إلا أن هناك تنويعات أخرى تتم فيها الكتابة أو التلحين لدوافع أخرى وتلك هى ما تستحق أن نعيد توثيقه، ولكن سيظل فى النهاية أن التيترات فى الفيلم السينمائى، أو الورق المعتمد فى جمعية المؤلفين والملحنين والتى يقع مكتبها الرئيسى فى باريس هى المرجع الوحيد المعترف به رسميًا وما دون ذلك يظل أقرب إلى فضفضة لا ترقى لمستوى الحقيقة!

ولكن مسئولية الإعلاميين تفرض عليهم عدم الاستسلام المطلق، للمعلومات المتوافرة على النت، الكثير منها بمثابة تزوير للتاريخ!