الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
حقك..  حقيقة حقوق الإنسان فى الغرب  لماذا لا تحترم أوروبا حقوق أطفال المهاجرين؟ "1"

حقك.. حقيقة حقوق الإنسان فى الغرب لماذا لا تحترم أوروبا حقوق أطفال المهاجرين؟ "1"

يُحسب لحركة حقوق الإنسان نجاحها فى فرض مبادئها على أجندة العالم اليومية؛ حيث تحولت إلى مفردات يومية فى تعامل الأنظمة السياسية وقادة العالم، الجميع يتواجه بتلك الكلمة ولكن وفق منطلقات مختلفة، فهناك من يحرص عليها من واقع احترامه الحقيقى لها وهناك من تمرس على المزايدة بها من أجل تحقيق مكاسب سياسية، بينما تحاول الأمم المتحدة أن تلعب دور الحكم وتمارس دورها بموضوعية لكنها لم تتمكن من التحكم فى الاستخدام السياسى للمفهوم الإنسانى النبيل.



 

الجانب المظلم للاستخدام السياسى لحقوق الإنسان هو ما تسبب فى ظهور ما سمى بازدواجية المعايير، وذلك الاتهام ارتبط بأن الغرب يتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان والدفاع عنها والمزايدة بفرض عقوبات على دول أخرى من واقع ما تطرحه بعض المنظمات أو ما اصطلح على تسميتهم بالنشطاء وهو فى الغالب معلومات لها بُعد سياسى ولا تعكس بالضرورة الحقيقة.

بالتأكيد أوضاع حقوق الإنسان ليست على ما يرام، وهو هم عالمى يشترك فيه الجميع، وبالتالى لا تصلح حقوق الإنسان لأن تكون سلاح مزايدة أو ضغط يتم استخدامه فى مجالات خارج إطار دعم حقوق الإنسان.

والغريب أن الدول الأوروبية تتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان وتحاول أن تقدم نفسها باعتبارها المرجعية لكن الأوضاع على الأرض فيها لا تعكس ذلك، واللافت أن وسائل الإعلام الغربية تتجاهل تمامًا الاهتمام بتلك القضايا وبالتالى لا يصل إلى الناس سوى الصورة البراقة عن الغرب؛ بينما حقيقته تظل متوارية عن الجميع.

هيمنة وسائل الإعلام الغربية تتجلى فى غياب رصد وقائع انتهاكات حقوق الإنسان فى أوروبا والأمر يمتد لمنظمات حقوق الإنسان الدولية، وتعاملها الانتقائى مع تلك القضايا؛ حيث نرى الصراخ فيما يتعلق بالشرق الأوسط بينما يخفت الصوت فيما يتعلق بالانتهاكات فى أوروبا والغرب عمومًا.

آخر تلك الانتهاكات ما شهدته السويد ضد أطفال المهاجرين العرب وهو ما رصدته مواقع التواصل الاجتماعى وتحدثت عنه الجاليات العربية في السويد ضد مؤسسة الخدمة الاجتماعية، والمعروفة إعلاميًا باسم «السوسيال»، واتهمتها الجالية بخطف الأطفال من عائلاتهم وإلحاقهم بعائلات سويدية، إضافة إلى تعرض بعض الأطفال والفتيات لمعاملات غير أخلاقية.

والقصة بدأت بوجود قانون سويدى لرعاية القصّر تحت 18 سنة يمنح مؤسسة الخدمات الاجتماعية  «السوسيال» الحق في انتزاع الأطفال من ذويهم إذا أثبتت التحقيقات أنهم غير مؤهلين لتربيتهم، ويرتكبون تجاوزات بحقهم، ومن ثم إيداعهم مؤسسة للرعاية الاجتماعية إلى حين نقلهم إلى عائلة جديدة يعيشون في كنفها. 

لكن العديد من المهاجرين، اشتكوا من وجود تمييز واستخدام خاطئ وعدم التزام بالقانون في عمليات سحب الأطفال من ذويهم وأن السحب يتم أحيانًا دون التثبت من حقيقة أن هناك أضرارًا تلحق بالأطفال، ولذلك كان معظم المشاركين في المظاهرات من المهاجرين وخصوصا المسلمين منهم ومعظمهم عرب.

السويد طبقت القانون دون النظر إلى الخلفية الثقافية للمهاجرين التى لا تتفهم نزع الطفل من عائلته وأن ذلك لا يتواءم مع ثقافة الجالية العربية والإسلامية وهو ما دفع أهالى الأطفال الذين تم سحبهم إلى تنظيم تظاهرات ووقفات احتجاجية من جانب مهاجرين عرب من سوريا والصومال ولبنان أمام مبنى البرلمان السويدي واتهام الحكومة السويدية بالصمت على ممارسات «السوسيال»، وتعامل موظفيها بعنصرية مع المهاجرين.

فيما ضجت وسائل التواصل الاجتماعى بحملات تحدثت بوضوح عن ضرورة وقف ما أسمته بخطف الأطفال في السويد، وتفاعل الآلاف معها ومطالبة السلطات السويدية بالتوقف عن تلك الممارسات غير الإنسانية ضد أطفال المهاجرين في السويد وعائلاتهم.

الحكومة السويدية نفت الاتهامات الموجهة إليها من جانب الأسر، ولم تعلق على التظاهرات التي خرجت بالعاصمة ستوكهولم، ودافعت وسائل الإعلام السويدية عن القانون وبررت عمليات انتزاع الأطفال من ذويهم بأنها لحماية الأطفال الذين يتعرضون للعنف فى محيطهم الأسرى وأن الجهات المختصة تتحرك لمجرد تلقيها بلاغًا من جهة ما أو حتى شخص ما، بأن الطفل يتعرض للعنف أو انتهاكات معينة، وتضعه في دار رعاية لحين التحقق من الأمر.

تقارير حقوقية لمؤسسات إقليمية عربية مثل ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان شككت فى قدرة المؤسسات السويدية فى تحقيق العدالة للأطفال بهذه الطريقة خاصة فى وجود اتهامات للمحققين بتحريف أقوال الأطفال وعدم وجود رقابة على تلك العملية فضلا على أن المصلحة الفضلى للطفل وفق التعهدات الدولية تنطلق من وجوده داخل أسرته.

وتنص اتفاقية حقوق الطفل فى المادة التاسعة على ضرورة الحفاظ على الترابط الأسرى وشددت على ضرورة عدم فصل الأطفال عن والديهما، إلا إذا كانوا لا يحصلون على رعاية مناسبة وكافية منهما؛ (مثلاً، إذا كان الوالدان يؤذيان الطفل أو لا يعتنيان به). ويجب أن يتمكن الطفل من التواصل المستمر مع والديه إذا كانوا منفصلين ولا يعيشان معًا، ما عدا في الحالات التي يتسبب فيها هذا التواصل بالأذى للطفل، وبتطبيق المادة على القانون السويدى نجد أن الحكومة قررت التغول على حق أطفال المهاجرين فى الحياة الأسرية، وتجاهلت حقًا دوليًا كفلته الأمم المتحدة والقانون الدولى الإنسانى للأطفال.

من حق الحكومة السويدية أن تدافع عن نفسها وأن تنظر إلى مصلحة الطفل وتنفق أموالًا من أجل توفير الرعاية للأطفال، لكن القانون وتنفيذه ينطوى على خروقات كبيرة كشفتها أقوال أهالى هؤلاء الأطفال الذين تحدثوا عن إصرار الموظفين على نزع أطفالهم، وإعطائهم إلى أسر سويدية بديلة، وهو ما قد يعرض أطفالهم لخطر كبير، فضلا عن أنه ينتزع الطفل من بيئته الأصلية ويؤثر على هويته العربية والإسلامية بفقدانه تأثير أسرته عليه خلال تربيته.

ما تقوم به الحكومة السويدية هو انتهاك خطير لحقوق الأطفال وسط  صمت  أوروبى وصمت حقوقى رغم خطورة ذلك التحرك ضد أطفال المهاجرين، وهو أمر يجب مناقشته وبحثه لأنه يحمل انتهاكًا مزدوجًا، ضد الطفل وضد المهاجر، وفيه استغلال لضعف وقلة حيلة المهاجرين وإخضاعهم لقانون لا يتسق مع ثقافتهم وبيئتهم، كما لا يجب استغلال ذلك الضعف وعدم توفير فرصة حياة للمهاجر وأطفاله، فهو هاجر أو طلب اللجوء فى لحظة ضعف وتخوف، وربما بسبب الفكرة البراقة للحياة فى أوروبا وهى فكرة بدأت تتكشف مع مرور الوقت واكتشاف الازدواجية فى التعامل بين ما تقوله المبادئ الأوروبية وما يشهد به الواقع وما يحدث ويتم رصده تجاه المهاجرين.

ما يحدث فى السويد ضد الأطفال وتدمير وحدة الأسر المهاجرة يتكرر بتنويعات متعددة فى دول أوروبية أخرى دون أن يشعر بها أحد، فالمهاجر صوته ضعيف، وكثير من الحكومات الغربية تتعامل معه باعتباره خطرًا على الهوية والخصوصية الثقافية، بينما تستغله حكومات أخرى كعمالة رخيصة، وهى كلها ممارسات تبتعد كثيرًا عن حقوق الإنسان ومبادئها العالمية، لكنها لا تلفت نظر منظمات حقوق الإنسان المسيسة ولا تخضع للنقاش فى البرلمان الأوروبى دون مبرر.

للطفل حقوق وللمهاجر حقوق ولكن الممارسات العنصرية والقوانين القاسية فى الغرب تؤكد ازدواجية المعايير فى تطبيق حقوق الإنسان، وتكشف أن التغطية الإعلامية غير نزيهة والاهتمام الدولى يخضع لما تقرره الدول الكبرى فقط، ووسط كل ذلك لا يصل صوت أنين وألم المهاجر ولا أحد يسمع صراخ الإنسان فى الغرب.