
طارق الشناوي
كلمة و 1/2.. برامج النميمة.. من «اللغلوغ إلى الطحال»!!
أستمع إلى دقات شهر رمضان على الأبواب وأتابع لهاث البعض لإعداد برامج النميمة، التي أصبح لها جمهورها العريض، بقدر ما ينتظرها بكل شغف، بقدر ما يلعنها بكل بجاحة.
الجمهور العربى تابع وشاهد مع مطلع الألفية الثالثة عددًا كبيرًا منها، وهكذا رأينا حكاية الزوج الذي انتهك طحال زوجته، والزوجة التي سألوها عن عدد أزواجها أكدت أنهم فى الليمون، ولا أحد يعد الليمون.
فى العديد من البرامج تفاصيل حياة الفنانين التي تنشرها «الميديا»، يسعى بعضهم لإمداد الصحافة والفضائيات ببعض منها؛ ظنًا منه أن هذا يؤدى إلى زيادة مساحة الاهتمام والشغف الجماهيرى، تغيَّر الزمن الذي كان يحرص فيه الفنان على أن يظل بعيدًا عن الجمهور، الناس لا تتعامل معه كحالة إنسانية بشرية يحب ويكره وينجب ويتزوج ويطلق، أو يتم خلعه؛ ولكنهم يفضلونه كائنًا خياليًا، تلك هى صورة الماضى.
عدد من الفنانين وكبار الإعلاميين بين الحين والآخر باتت خطتهم لكسب ود الجماهير تتلخص فى العمل على شيوع أخبار تؤكد الجانب الخيرى والمثالى لهم، خاصة وأن تلك الانطباعات المبدئية تلعب دورًا إيجابيًا عند دائرة واسعة من الجماهير، لديها «ترمومتر» اسمه التقوى والورع، حتى ولو كان مجرد إعلان زائف.
لو عدنا للزمن الماضى الذي نطلق عليه دائمًا تعبير «زمن الفن الجميل»، وإن كنت أرى أن كل زمن به الجمال والقبح، ولا يمكن أن يصبح فقط لدينا زمن يحتكر الجمال وآخر هو عنوان القبح، فى الزمن الماضى كان هناك غطاءً لا يمكن اختراقه يغلف حياة المشاهير، ويحرص عليه أيضًا الفنان، روت لى الإذاعية الكبيرة آمال فهمى حكاية لها مع أم كلثوم حدثت مع مطلع الستينيات.
كان أغلب المذيعين الذين ينقلون للجمهور حفلات «الست» على الهواء عبر أثير الإذاعة يقدمون كلمات الأغنية ويتحدثون قليلًا عن المؤلف والملحن ثم تأتى لهم الفرصة بين الوصلتين لوصف فستان أم كلثوم، ولكن لا أحد منهم يتجاوز أكثر من ذلك، إلا أن آمال فهمى، غلبتها الحاسة الإعلامية وقررت أن تبحث عن الجديد الذي من الممكن أن تقوله للمستمعين، وعلى طريقة أرشميدس هتفت «وجدتها وجدتها»، وكانت ضالتها المنشودة أنها استغلت علاقتها بـ«سعدية» وصيفة أم كلثوم، وعرفت منها ماذا أكلت سيدة الغناء العربى قبل الحفل فى وجبة الغداء، وقبل أن تفاجئ آمال الجمهور بهذا السبق الإذاعي، قررت أن تفاجئ به أم كلثوم فى الاستراحة، وقبل رفع الستار بلحظات قالت لها «أنا عرفت أنت أكلت إيه قبل الحفل» ردت عليها بكل ثقة «لا أحد يعرف يا شاطرة ماذا أكلت أم كلثوم» فاجأتها بقولها «ربع دجاجة وكوب عصير برتقال ورغيف خبز أسمر وطبق أرز وسلطة»، وهاجت وماجت أم كلثوم بعد أن افتضح سرها فهى تأكل وتشرب مثلنا، ولم تستطع المذيعة أمام فيضان الغضب من إذاعة سبقها على الناس، واكتفت بأن وصفت مثل الآخرين للمستمعين فقط لون الفستان، وفى الاستراحة الثانية استدعتها أم كلثوم إلى غرفتها وقالت لها أنها كانت تعتقد وهى صغيرة أن كبار الفنانين أقرب إلى الأساطير عندما يعلم الناس ماذا أكلوا وكأنها تنقل أم كلثوم من السماء فى لحظات إلى الأرض.
تابع الآن كثرة الظهور البرامجى والجرأة فى الإعلان عن تفاصيل حياة النجوم المادية والعاطفية والشخصية، ربما تحقق لهم تلك البرامج، أموالًا تدفعها الفضائيات مقابل العثور على الأسرار، إلا أنها على الجانب الآخر تخصم الكثير من الألق الشخصي.
لا أوافق قطعًا على أن يبتعد الفنان عن الناس وكأنه كائن أسطورى، فلقد قلصت «الميديا» تلك المسافات بين الفنان والجمهور، فى الماضى كان عادل إمام يصرخ قائلًا كل واحد يحافظ على «لغلوغه»، الآن بات على كل منا أن يحمى طُحاله!!