الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية أمهات المؤمنين.. كاملات: ناقصات عقل ودين.. ومكانة المرأة! "5"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



الباحثة والكاتبة ألفة يوسف من مواليد تونس، سنة 1966 م، وهى أكاديمية تخصصت فى اللغة العربية واللسانيات، وقد اشتهرت بالجرأة فى كتاباتها الدينية، وتناولت فى أبحاثها الموروث الدينى بالتحليل والمقارنة.

وتقوم الباحثة بنقدها للفكر الإسلامى وتحليل التصورات عن الدين والنصوص المقدسة، وانطلاقًا من تخصصها فى مجال اللغة واللسانيات والحضارة العربية، تدرس عدة مسائل حضارية ومن أبرزها الظاهرة الدينية، بداية من بحث «تعدد المعنى فى القرآن»، بالاعتماد على منهج اللسانيات، مع اهتمام بمعانى الآيات ودلالاتها عند المفسرين والفقهاء.

 

تعتبر الدكتورة ألفة يوسف من أهم الوجوه الجامعية فى تونس التى تعمل على البحث فى الظاهرة الدينية، إلى جانب اهتماماتها النقدية واللسانية، وتتضمن كتاباتها العديد من الأسئلة التى طرحتها فى قراءة للدين الإسلامى، وتبرر هذا الأمر بأن الاجتهاد شىء أساسى فى الدين.

 

المؤلفات

«الإخبار عن المرأة فى القرآن والسنة» سنة 1997، يعتمد هذا الكتاب على المقارنة بين المرأة فى الجاهلية والمرأة فى الإسلام، ويستند إلى علم الاجتماع وفلسفة الأديان.

«تعدد المعنى فى القرآن» سنة 2003، الكتاب فى الأصل موضوع رسالة دكتوراه، لتقديم تعدد المعنى فى القرآن من خلال المفسرين، وينتهى البحث إلى الإقرار بوجود معنى أصلى للقرآن فى اللوح المحفوظ، وهذا المعنى لا يعلم تأويله إلا الله.

«ناقصات عقل ودين» سنة 2003، محاولة لفهم بعض أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام.

«حيرة مسلمة: فى الميراث والزواج والجنسية المثلية» سنة 2008، قراءة لموقف المفسرين من مسائل الميراث والزواج والجنسية المثلية وبيان للفرق الشاسع بين انغلاق المفسرين من جهة وانفتاح النص القرآنى من جهة أخرى.

عملت فى منصب أستاذة مساعدة منذ 1989، ثم أستاذة جامعية فى 1992، وأستاذة محاضرة منذ 2002 بكلية الآداب والفنون والإنسانيات، وأستاذة بالمعهد العالى للغات بتونس، درست اللسانيات والأدب والحضارة لطلبة المرحلة الأولى والثانية والثالثة.

نقد الفكر

تكررت رواية «ناقصات عقل ودين» 32 مرة فى كتب الأحاديث ومنها صحيحا البخارى ومسلم، وفى سنن الترمذى، وابن ماجة، وأبى داود، ومسند أحمد، وغيرها.

أصل الرواية، جاء فى الصحيحين من حديث أبى سعيد الخدرى: «خرج رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم فى أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء ‏تصدقن فإنى رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟‏، قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل ‏الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟، قال: أليس شهادة المرأة ‏مثل نصف شهادة الرجل، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟‏، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها».‏

والراوى يربط نقصان العقل بالآية التى تسمى بآية المداينة وهى من أطول آيات القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..) البقرة 282، إلى أن تتكلم الآية عن شهادة المرأة: (..وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى..) البقرة 282، مع أن الآية لم تكن قد نزلت بعد من ناحية الترتيب الزمنى، فالآية من آخر ما نزل من آيات القرآن، وكان وقت نزولها قبل تسع ليال من وفاة النبى عليه الصلاة والسلام، وفى الأيام الأولى من شهر ربيع الأول، أى بعد عيد الأضحى وقبل عيد الفطر. 

والنبى عليه الصلاة والسلام لم يحضر إلا أضحى واحد فقط سنة 9 هـ، ومع ذلك فالراوى لا يتذكر المناسبة التى كان فيها القول فى عيد الأضحى أو الفطر، فكيف يتذكر القول نفسه؟، وبذلك يكون السند ضعيفًا لجرح الراوى، وبالتالى تضعف الرواية، ومن المهم معرفة أن هذه الرواية لا يؤخذ منها عقيدة ولا حكمًا.

سبب النقصان

وإن كان سبب نقصان العقل هو أن شهادة المرأة‏ نصف شهادة الرجل، فبقراءة آية البقرة 282 كاملة، نجد أن الشهادة المقصودة خاصة بالعقود المالية فقط وهدفها حفظ الحقوق، وموضوع الشهادة يتطلب أكثر من شاهد حتى يتم التأكد بأنه لا يوجد خطأ فى شروط العقد، وعلى الرغم من وجود امرأتين معًا إلا أن لكل منهما دور مختلف، فإحداهما شاهدة والأخرى تساعدها وتذكرها إذا ما حدث خطأ.

وإن كان سبب النقص فى الدين هو الحيض فهذا شىء خلقها تعالى عليه، والله يساوى بين الرجال والنساء فى أداء العبادات: (..وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب 35، ولم يذكر تعالى أن أجر عمل المرأة ناقص لنقصان دينها، وأجر عمل الرجل كامل لكمال دينه.

فالنساء يشاركن الرجال فى كل رخص العبادات، ومنها إفطار الصائم فى المرض والسفر، وقصر وجمع الصلاة فى السفر، ثم يزدن عن الرجال فى رخص خاصة منها سقوط فرائض الصلاة وصيام رمضان عن الحائض والنفساء، والتزام المرأة بهذه الرخص هو أمر مفروض عليها وليس عيبًا ينتقص منها.

المرأة مثال للمؤمنين

وفى الرواية أن النساء يكثرن اللعن، لكن الرجال أيضًا يكثرون اللعن، وهل أطلق النبى عليه الصلاة والسلام صفة نقصان العقل على كل النساء؟، ومنهن السيدة مريم، وامرأة فرعون، وأمهات المؤمنين مثل السيدة خديجة، وبنات النبى مثل السيدة فاطمة.

وأيهما أعقل ملكة سبأ فى قولها للملأ: (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً) النمل 34، وإرسالها هدية للنبى سليمان لتعرف أمره، أم الملأ من الرجال عندما تفاخروا بقوتهم وأبدوا استعدادًا للحرب دون معرفة قوة الخصم؟، وأيهما أعقل الصحابيات المسلمات أم سادة قريش الذين أصروا على الكفر؟.

وعن نقصان العقل، هل الرجال أكثر ذكاء من النساء؟، هل النساء كلهن سفيهات؟، هل الرجال أفضل من النساء على الإطلاق؟، وهل نقصان العقل عند المرأة يعنى أن أغلب النساء عادةً عند التفكير فى أمر ينظرن له من ناحية عاطفية تغلب عندها على الناحية العقلية؟، فهذا من طبيعتها التى خلقها تعالى لكى تتكامل مع الرجل.

لقد ضرب الله تعالى المثل للمؤمنين ذكورًا وإناثًا بامرأة فرعون: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) التحريم 11، وبالسيدة مريم: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا..) التحريم 12.

وقال تعالى عن السيدة مريم: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا..) آل عمران 37، (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِين) آل عمران 42. 

وبما أن العقل فى الإسلام هو مصدر التكليف، فلو كانت المرأة ناقصة عقل لوجب أن تنقص تكاليف العبادات للنساء عن الرجال، فتكون تكاليفهن أقل من تكاليف الرجال.

المرأة فى السيرة

ومما جاء فى السيرة أن النبى عليه الصلاة والسلام عمل برأى زوجته السيدة أم سلمة فى أمر بعد صلح الحديبية، وهذا فعل لا يدل على أنه ينتقص النساء، لأن استشارته لها ثم العمل بنصيحتها دليل على كونها عاقلة وتستحق الاحترام. 

كما وصى عليه الصلاة والسلام المسلمين بأخذ نصف دينهم عن زوجته السيدة عائشة: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء»، والحميراء مصغر الحمراء وتعنى البيضاء التى يشوبها الحمرة، والسيدة عائشة كانت تفتى والصحابة حضور، وكانت تخالفهم فى فتاواهم، ولم يتهمها أحد بنقصٍ فيها ليثبت أن كلامه أصح من كلامها.

وقوله عليه الصلاة والسلام: «النساء شقائق الرجال»، بمعنى أمثالهم، كل ذلك يناقض رواية «ناقصات عقل ودين».

ومثال على قوة الشخصية للمرأة، خطبة الخليفة عمر بن الخطاب حول عدم الزيادة فى مهور النساء: «ألا لا تزيدوا فى مهور النساء على أربعين أوقية، فما زاد ألقيت الزيادة فى بيت المال، فقامت امرأة من صف النساء طويلة فقالت: ليس ذلك لك، قال: ولم؟، قالت: لأن الله عز وجل يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) النساء 20، فقال عمر رضى الله عنه: امرأة أصابت ورجل أخطأ».

ويبقى أنه لا يصح أن تصر بعض المجتمعات على إقناع الفتيات بأنهن ناقصات عقل ودين ولا يصلحن للقيادة، وأن وظيفتهن الأساسية لا تتعدى إدارة المنزل وتربية الأطفال، وأن تركيبتهن النفسية والبدنية تجعلهن لا يصلحن لغير ذلك، مع أن حياة الرجل ترتبط بوجود وتأثير المرأة.

لقد أدى بنا عدم تدبر المفاهيم الخاصة بالمرأة فى القرآن، وعدم الاقتداء بأخلاق النبى عليه الصلاة والسلام إلى التقليل من شأن المرأة، وبمرور الوقت أصبح ذلك أساسًا لأفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا مما أصاب المرأة والمجتمع بالسلبية فى جوانب كثيرة، مع أن المرأة لها دور كبير ومهم باعتبارها صانعًا أساسيًا للرجال والتقدم فى الحياة.